المفعول الأول والثاني الموصول كأن النار وعدت بالكفار لتأكلهم (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) النار (يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ) أي بين لكم حال مستغربة أو قصة بديعة رائقة حقيقة بأن تسمى مثلا وتسير في الأمصار والأعصار ، وعبر عن بيان ذلك بلفظ الماضي لتحقق الوقوع ، ومعنى المثل في الأصل المثل ثم خص بما شبه بمورده من الكلام فصار حقيقة ثم استعير لما ذكر ، وقيل المثل على حقيقته و (ضُرِبَ) بمعنى جعل أي جعل لله سبحانه شبه في استحقاق العبادة وحكي ذلك عن الأخفش ، والكلام متصل بقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) إلى آخره بيان للمثل وتفسير له على الأول وتعليل لبطلان جعلهم معبوداتهم الباطلة مثلا لله تعالى شأنه في استحقاق العبادة على الثاني ، ومنهم من جعله على ما ذكرنا وعلى ما حكي عن الأخفش تفسيرا أما على الأول فللمثل نفسه بمعناه المجازي وأما على الثاني فلحال المثل بمعناه الحقيقي ، فإن المعنى جعل الكفار لله مثلا فاستمعوا لحاله وما يقال فيه ، والحق الذي لا ينكره إلا مكابر أن تفسير الآية بما حكي فيه عدول عن المتبادر.
والظاهر أن الخطاب في (يا أَيُّهَا النَّاسُ) لجميع المكلفين لكن الخطاب في (تَدْعُونَ) للكفار. واستظهر بعضهم كون الخطاب في الموضعين للكفار والدليل على خصوص الأول الثاني ، وقيل هو في الأول للمؤمنين ناداهم سبحانه ليبين لهم خطأ الكافرين ؛ وقيل هو في الموضعين عام وأنه في الثاني كما في قولك : أنتم يا بني تميم قتلتم فلانا وفيه بحث.
وقرأ الحسن ويعقوب وهارون والخفاف ومحبوب عن أبي عمرو «يدعون» بالياء التحتية مبنيا للفاعل كما في قراءة الجمهور قرأ اليماني وموسى الأسواري «يدعون» بالياء من تحت أيضا مبنيا للمفعول ، والراجع للموصول على القراءتين السابقتين محذوف (لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً) أي لا يقدرون على خلقه مع صغره وحقارته ، ويدل على أن المراد نفي القدرة السباق مع قوله تعالى : (وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) أي لخلقه فإن العرف قاض بأنه لا يقال : لن يحمل الزيدون كذا ولو اجتمعوا لحمله إلا إذا أريد نفي القدرة على الحمل ، وقيل جاء ذلك من النفي بلن فإنها مفيدة لنفي مؤكد فتدل على منافاة بين المنفي وهو الخلق والمنفي عنه وهو المعبودات الباطلة فتفيد عدم قدرتها عليه ، والظاهر أن لا يستغنى عن معونة المقام أيضا ، وأنت تعلم أن في إفادة لن النفي المؤكد خلافا ؛ فذهب الزمخشري إلى إفادتها ذلك وأن تأكيد النفي هنا للدلالة على أن خلق الذباب منهم مستحيل وقال في أنموذجه بإفادتها التأبيد.
وذهب الجمهور وقال أبو حيان : هو الصحيح إلى عدم إفادتها ذلك وهي عندهم أخت لا لنفي المستقبل عند الإطلاق بدون دلالة على تأكيد أو تأييد وأنه إذا فهم فهو من خارج وبواسطة القرائن وقد يفهم كذلك مع كون النفي بلا فلو قيل هنا لا يخلقون ذبابا ولو اجتمعوا له لفهم ذلك ، ويقولون في كل ما يستدل به الزمخشري لمدعاه : إن الإفادة فيه من خارج ولا يسلمون أنها منها ولن يستطيع إثباته أبدا ، والانتصار له بأن سيفعل في قوة مطلقة عامة ولن يفعل نقيضه فيكون في قوة الدائمة المطلقة ولا يتأتى ذلك إلا بإفادة لن التأييد ليس بشيء أصلا كما لا يخفى ، وكأن الذي أوقع الزمخشري في الغفلة فقال ما قال اعتمادا على ما لا ينتهض دليلا شدة التعصب لمذهبه الباطل واعتقاده العاطل نسأل الله تعالى أن يحفظنا من الخذلان ، والذباب اسم جنس ويجمع على أذبة وذبان بكسر الذال فيهما وحكي في البحر ضمها في ذبان أيضا ، وهو مأخوذ من الذب أي الطرد والدفع أو من الذب بمعنى الاختلاف أي الذهاب والعود وهو أنسب بحال الذباب لما فيه من الاختلاف حتى قيل : إنه منحوت من ذب آب أي طرد فرجع ، وجواب (لَوِ)