بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ (١٨) فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (١٩) وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (٢٠) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٢١) وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ)(٢٢)
(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) والفلاح الفوز بالمرام ، وقيل : البقاء في الخير والإفلاح الدخول في ذلك كالإبشار الذي هو الدخول بالبشارة ، وقد يجيء متعديا وعليه قراءة طلحة بن مصرف وعمرو بن عبيد «أفلح» بالبناء للمفعول ، و (قَدْ) لثبوت أمر متوقع وتحققه ، والظاهر أنه هنا الفلاح لأن قد دخلت على فعله وهو متوقع الثبوت من حال المؤمنين ، وجعله الزمخشري الأخبار بثباته وذلك لأن الفلاح مستقبل أبرز في معرض الماضي مؤكدا بقد دلالة على تحققه فيفيد تحقق البشارة وثباتها كأنه قيل : قد تحقق أن المؤمنين من أهل الفلاح في الآخرة ، وجوز أن يكون جملة (قَدْ أَفْلَحَ) جواب قسم محذوف وقد ذكر الزجاج في قوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) [الشمس : ٩] أنه جواب القسم المذكور قبله بتقدير اللام.
وقرأ ورش عن نافع «قد أفلح» بإلقاء حركة الهمزة على الدال وحذفها لفظا لالتقاء الساكنين كما قال أبو البقاء وهما الهمزة الساكنة بعد نقل حركتها والدال الساكنة بحسب الأصل لأنه لا يعتد بحركتها العارضة.
وقرأ طلحة أيضا «وقد أفلحوا» بضم الهمزة والحاء وإلقاء واو الجمع وهي مخرجة على لغة أكلوني البراغيث ، وقول ابن عطية هي قراءة مردودة مردود ، وعن عيسى بن عمر قال : سمعت طلحة يقرأ «قد أفلحوا المؤمنون» فقلت له : أتلحن؟ قال : نعم كما لحن أصحابي ، ولعل مراده أن مرجع قراءتي الرواية ومتى صحت في شيء لا يكون لحنا في نفس الأمر وإن كان كذلك ظاهرا ، وإثبات الواو في الرسم مروي عن كتاب ابن خالويه.
وفي اللوامح أنها حذفت في الدرج لالتقاء الساكنين وحملت الكتابة على ذلك فهي محذوفة فيها أيضا ، ونظير ذلك (يَمْحُ اللهُ الْباطِلَ) [الشورى : ٢٤] وقد جاء حذف الواو لفظا وكتابة والاكتفاء بالضمة الدالة عليها كما في قوله :
ولو أن الأطباء كان حولي |
|
وكان مع الأطباء الاساة |
وهو ضرورة عند بعض النحاة ، والمراد بالمؤمنين قيل إما المصدقون بما علم ضرورة أنه من دين نبيناصلىاللهعليهوسلم من التوحيد والنبوة والحشر الجسماني والجزاء ونظائرها فقوله تعالى : (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) وما عطف عليه صفات مخصصة لهم ، وإما الآتون بفروعه أيضا كما ينبئ عنه إضافة الصلاة إليهم فهي صفات موضحة أو مادحة لهم ، وفي بعض الآثار ما يؤيد كونها مخصصة وجعل الزمخشري الإضافة للإشارة إلى أنهم هم المنتفعون بالصلاة دون المصلى له عزوجل ، والخشوع التذلل مع خوف وسكون للجوارح ، ولذا قال ابن عباس فيما رواه عنه ابن جرير وغيره خاشعون خائفون ساكنون وعن مجاهد أنه غض البصر وخفض الجناح ، وقال مسلم بن يسار وقتادة : تنكيس الرأس ، وعن علي كرّم الله تعالى وجهه ترك الالتفات ، وقال الضحاك : وضع اليمين على الشمال.
وعن أبي الدرداء إعظام المقام وإخلاص المقال واليقين التام وجمع الاهتمام ، ويتبع ذلك ترك الالتفات وهو من