حقه ـ وفي لفظ ـ من كان له مظلمة فليجئ ليأخذ حقه فيفرح والله المرء أن يكون له الحق على والده أو ولده أو زوجته وإن كان صغيرا ومصداق ذلك في كتاب الله تعالى (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ)» وهذا الأثر يدل على أن هذا الحكم غير خاص بالكفرة بل يعمهم وغيرهم ، وقيل : هو خاص بهم كما يقتضيه سياق الآية ، وقيل لا ينفع نسب يومئذ إلا نسبه صلىاللهعليهوسلم.
فقد أخرج البزار والطبراني والبيهقي وأبو نعيم والحاكم والضياء في المختارة عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال : «سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي».
وقد أخرج جماعة نحوه عن مسور بن مخرمة رضي الله تعالى عنه مرفوعا ، وأخرج ابن عساكر نحوه مرفوعا أيضا عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وهو خبر مقبول لا يكاد يرده إلا من في قلبه شائبة نصب ، نعم ينبغي القول بأن نفع نسبه صلىاللهعليهوسلم إنما هو بالنسبة للمؤمنين الذين تشرفوا به وأما الكافر والعياذ بالله تعالى فلا نفع له بذلك أصلا ، وقد يقال : إن هذا الخبر لا ينافي إرادة العموم في الآية بأن يكون المراد نفي الالتفات إلى الأنساب عقيب النفخة الثانية من غير فصل حسبما يؤذن به الفاء الجزائية فإنها على المختار تدل على التعقيب ويكون المراد تهويل شأن ذلك الوقت ببيان أنه يذهل فيه كل أحد عمن بينه وبينه نسب ولا يلتفت إليه ولا يخطر هو بباله فضلا عن أنه ينفعه أو لا ينفعه ، وهذا لا يدل على عدم نفع كل نسب فضلا عن عدم نفع نسبه صلىاللهعليهوسلم ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وحكي عن الجبائي أن المراد أنه لا يفتخر يومئذ بالأنساب كما يفتخر بها في الدنيا وإنما يفتخر هناك بالأعمال والنجاة من الأهوال فحيث لم يفتخر بها ثمت كانت كأنها لم تكن ، فعلى هذا وكذا على ما تقدم يكون قوله تعالى : (فَلا أَنْسابَ) من باب المجاز.
وجوز أن يكون صفة مقدرة أي فلا أنساب نافعة أو ملتفتا إليها أو مفتخرا بها وليس بذاك ، والظاهر أن العامل في (يَوْمَئِذٍ) هو العامل في (بَيْنَهُمْ) لا (أَنْسابَ) لما لا يخفى (وَلا يَتَساءَلُونَ) أي ولا يسأل بعضهم بعضا عن حاله وممن هو ونحو ذلك لاشتغال كل منهم بنفسه عن الالتفات إلى أبناء جنسه وذلك عقيب النفخة الثانية من غير فصل أيضا فهو مقيد بيومئذ وإن لم يذكر بعده اكتفاء بما تقدم ، وكأن كلا الحكمين بعد تحقق أمر تلك النفخة لديهم ومعرفة أنها لما ذا كانت ، وحينئذ يجوز أن يقال : إن قولهم (مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) [يس : ٥٢] قبل تحقق أمر تلك النفخة لديهم فلا إشكال ، ويحتمل أن كلا الحكمين في مبدأ الأمر قبل القول المذكور كأنهم حين يسمعون الصيحة يذهلون عن كل شيء الأنساب وغيرها كالنائم إذا صيح به صيحة مفزعة فهب من منامه فزعا ذاهلا عمن عنده مثلا فإذا سكن روعهم في الجملة قال قائلهم : (مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) وقيل : لا نسلم أن قولهم (مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) أنه كان بطريق التساؤل ، وعلى الاحتمالين لا يشكل هذا مع قوله تعالى في شأن الكفرة يوم القيامة (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) [الصافات : ٢٧ ، الطور : ٢٥] وفي شأن المؤمنين (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) [الصافات : ٥٠] فإن تساؤل الكفرة المنفي في موطن وتساؤلهم المثبت في موطن آخر ولعله عند جهنم وهو بعد النفخة الثانية بكثير ، وكذا تساؤل المؤمنين بعدها بكثير أيضا فإنه في الجنة كما يرشد إليه الرجوع إلى ما قبل الآية ، وقد يقال : إن التساؤل المنفي هنا تساؤل التعارف ونحوه مما يترتب عليه دفع مضرة أو جلب منفعة والتساؤل المثبت لأهل النار تساؤل وراء ذلك وقد بينه سبحانه بقوله عزّ من قائل : (قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ) [الصافات : ٢٨] الآية ، وقد بين جل وعلا تساؤل أهل الجنة بقوله سبحانه : (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ) [الصافات : ٥١] الآية ، وهو أيضا نوع آخر من التساؤل ليس فيه أكثر من الاستئناس دون دفع مضرة عمن يتكلم معه أو جلب منفعة له.