ولم نره لغيره والذي رأيناه في معظم التفاسير وكتب اللغة أنه المطر (يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) أي من فتوقه ومخارجه التي حدثت بالتراكم والانعصار وهو جمع خلل كجبال وجبل ، وقيل : هو مفرد كحجاب وحجاز ، وأيد بقراءة ابن عباس وابن مسعود وابن زيد والضحاك ومعاذ العنبري عن أبي عمرو والزعفراني من «خلله» والمراد حينئذ الجنس ، والجملة في موضع الحال من (الْوَدْقَ) لأن الرؤية بصرية ، وفي تعقيب الجعل المذكور برؤيته خارجا لا بخروجه من المبالغة في سرعة الخروج على طريقة قوله تعالى : فقلنا (اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ) [الشعراء : ٦٣] ومن الاعتناء بتقرير الرؤية ما لا يخفى (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ) أي من السحاب فإن كل ما علاك سماء ، وكأن العدول عنه إلى السماء للإيماء إلى أن للسمو مدخلا فيما ينزل بناء على المشهور في سبب تكون البرد ، وجوز أن يراد بها جهة العلو وللإيماء المذكور ذكرت مع التنزيل (مِنْ جِبالٍ) أي من قطع عظام تشبه الجبال في العظم على التشبيه البليغ كما في قوله تعالى : (حَتَّى إِذا (١) جَعَلَهُ ناراً) [الكهف : ٩٦] والمراد بها قطع السحاب ، ومن الغريب الذي لا تساعده اللغة كما في الدرر والغرر الرضوية قول الأصبهاني : إن الجبال ما جبله الله تعالى أي خلقه من البرد (فِيها) أي في السماء ، والجار والمجرور في موضع الصفة لجبال ، وقوله تعالى : (مِنْ بَرَدٍ) وهو معروف ، وسمي بردا لأنه يبرد وجه الأرض أي يقشره من بردت الشيء بالمبرد مفعول (يُنَزِّلُ) على أن من تبعيضية ، وقيل : زائدة على رأي الأخفش والأوليان لابتداء الغاية ، والجار والمجرور الثاني بدل من الأول بدل اشتمال أو بعض أي ينزل مبتدأ من السماء من جبال كائنة فيها بعض برد أو بردا.
وزعم الحوفي أن من الثانية للتبعيض كالثالثة مع قوله بالبدلية وهو خطأ ظاهر ، وقيل : من الأولى ابتدائية والثانية للتبعيض واقعة موقع المفعول ، وقيل : زائدة على رأي الأخفش أيضا والثالثة للبيان أي ينزل مبتدأ من السماء بعض جبال أو جبالا كائنة فيها التي هي برد فالمنزل برد ، عن الأخفش أن (مِنْ) الثانية ومن الثالثة زائدتان وكل من المجرورين في محل نصب أما الأول فعلى المفعولية لينزل وأما الثاني فعلى البدلية منه أي ينزل من السماء جبالا لا بردا ومآله ينزل من السماء بردا.
وقال الفراء : هما زائدتان إلا أن المجرور بأولاهما في موضع نصب على المفعولية والمجرور بثانيتهما في موضع رفع إما على أنه مبتدأ و (فِيها) خبره والضمير من (فِيها) للجبال أي ينزل من السماء جبالا في تلك الجبال برد لا شيء آخر من حصى وغيره ، وإما على أنه فاعل (فِيها) لأنه قد اعتمد على الموصوف أعني الجبال وضمير راجع إليها أيضا. والمراد بالجبال على غير ما قول الكثرة مجازا وقد جاء استعمالها فيها كذلك في قول ابن مقبل :
إذا مت عن ذكر القوافي فلن ترى |
|
لها شاعرا مني أطلب وأشعرا |
وأكثر بيتا شاعر ضربت له |
|
بطون جبال الشعر حتى تيسرا |
ويقال : عنده جبل من ذهب وجبل من علم ، وعن مجاهد والكلبي وأكثر المفسرين أن المراد بالسماء المظلة وبالجبال حقيقتها قالوا : إن الله تعالى خلق في السماء جبالا من برد كما خلق في الأرض جبالا من حجر وليس في العقل ما ينفيه من قاطع فيجوز إبقاء الآية على ظاهرها كما قيل ، والمشهور بين أهل الحكمة أن انبعاث قوى السماويات وأشعتها قد يوجب تصعيد أجسام لطيفة مرتفعة عن الماء ممتزجة مع الهواء وهي التي سمي بخارا ولثقله بالنسبة إلى الدخان لرطوبته ويبس الدخان يقف في حيز الهواء بحيث لا يكون واصلا إليه الحرارة الكائنة من الشعاع المنعكس عن جرم الأرض ويكون متباعدا عن المتسخن بحرارة النار فيبقى في الطبقة الباردة من الهواء فيبرد ويتكاثف