المشهور عن الشافعي عليه الرحمة جعل ذلك دليلا على البلوغ في حق أطفال الكفار ، وتكلف الشافعية في الانتصار له ورد التشنيع عليه بما لا يخفى ما فيه على من راجعه.
ومن الغريب ما روي عن قوم من السلف أنهم اعتبروا في البلوغ أن يبلغ الإنسان في طوله خمسة أشبار ، وروي عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال : إذا بلغ الغلام خمسة أشبار فقد وقعت عليه الحدود يقتص له ويقتص منه.
وعن ابن سيرين عن أنس قال : أتي أبو بكر رضي الله تعالى عنه بغلام قد سرق فأمر به فشبر فنقص أنملة فخلى عنه ، وبهذا المذهب أخذ الفرزدق في قوله يمدح يزيد بن المهلب :
ما زال مذ عقدت يداه إزاره |
|
وسما فأدرك خمسة الأشبار |
يدني كتائب من كتائب تلتقي |
|
بالطعن يوم تجاول وغوار |
وأكثر الفقهاء لا يقولون به لأن الإنسان قد يكون دون البلوغ ويكون طويلا وفوق البلوغ ويكون قصيرا فلا عبرة بذلك. ولعل الأخبار السابقة لا تصح. وما نقل عن الفرزدق لا يتعين إرادة البلوغ فيه ، ومن الناس من قال : إنه أراد بخمسة الأشبار القبر كما قال الآخر :
عجبا لأربع أذرع في خمسة |
|
في جوفه جبل أشم كبير |
هذا وقرأ الحسن وأبو عمرو في رواية «الحلم» بسكون اللام وهي لغة تميم ، وذكر الراغب أن الحلم بالضم والحلم السكون كلاهما مصدر حلم في نومه بكذا بالفتح إذا رآه في المنام يحلم بالضم ولم يخص ذلك بلغة دون أخرى ، وعن بعضهم عد حلما بالفتح مصدرا لذلك أيضا ، وفي الصحاح الحلم بالضم ما يراه النائم تقول منه : حلم بالفتح واحتلم وتقول حلمت بكذا وحلمته أيضا فيتعدى بالباء وبنفسه قال :
فحلمتها وبنو رفيدة دونها |
|
لا يبعدن خيالها المحلوم |
والحلم بكسر الحاء الأناة تقول منه : حلم الرجل بالضم إذا صار حليما ، وفي القاموس الحلم بالضم وبضمتين الرؤيا جمعه أحلام ثم قال : وحلم به وعنه رأى له رؤيا أو رآه في النوم والحلم بالضم والاحتلام الجماع في النوم والاسم الحلم كعنق والحلم بالكسر الأناة والعقل وجمعه أحلام وحلوم ا ه ، والظهر أن ما نحن فيه بمعنى الجماع في النوم وهو الاحتلام المعروف ووجه الكناية السابقة عليه ظاهر.
وقال الراغب : الحلم زمان البلوغ وسمي الحلم لكونه جديرا صاحبه بالحلم أي الأناة وضبط النفس عن هيجان الغضب وفي النفس منه شيء (ثَلاثَ مَرَّاتٍ) أي ثلاث أوقات في اليوم والليلة ، والتعبير عنها بالمرات للإيذان بأن مدار طلب الاستئذان مقارنة تلك الأوقات لمرور المستأذنين بالمخاطبين لا أنفسها فنصب (ثَلاثَ مَرَّاتٍ) على الظرفية للاستئذان وهو الذي ذهب إليه الجمهور ويدل على ما ذكر قوله تعالى : (مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ) إلخ فإن الظاهر أنه في محل النصب أو الجر كما قيل إنه بدل من (ثَلاثَ) أو من (مَرَّاتٍ) بدل مفصل من مجمل.
وجوز أن يكون في محل الرفع على أنه خبر لمبتدإ محذوف أي أحدها من قبل إلخ وهو أيضا يدل على ما ذكرنا ، واختار في البحر أن المعنى ثلاث استئذانات كما هو الظاهر فإنك إذا قلت : ضربت ثلاث مرات لا يفهم منه إلا ثلاث ضربات ، ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام الاستئذان ثلاث ، وعليه يكون (ثَلاثَ مَرَّاتٍ) مفعولا مطلقا للاستئذان و (مِنْ قَبْلِ) إلخ ظرف له ، وشرع الاستئذان من قبل صلاة الفجر لظهور أنه وقت القيام عن المضاجع