وطرح ثياب النوم ولبس ثياب اليقظة (١) وكل ذلك مظنة انكشاف العورة. وأيضا كثيرا ما يجنب الشخص ليلا فيغتسل في ذلك الوقت ويستحي من الاطلاع عليه في تلك الحالة ولو مستور العورة (وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ) أي وحين تخلعون ثيابكم التي تلبسونها في النهار وتحطونها عنكم (مِنَ الظَّهِيرَةِ) بيان للحين ، والظهيرة كما قال الراغب وقت الظهر ، وفي القاموس هي حد انتصاف النهار وإنما ذلك في القيظ.
وجوز أن تكون (مِنْ) أجلية والكلام على حذف مضاف أي وحين تضعون ثيابكم من أجل حر الظهيرة ، وفسر بعضهم الظهيرة بشدة الحر عند انتصاف النهار فلا حاجة إلى الحذف ؛ و (حِينَ) عطف على (مِنْ قَبْلِ) وهو ظاهر على تقدير كونه في محل نصب ، وأما على التقديرين الآخرين فيلتزم القول ببناء حين على الفتح وإن أضيف إلى مضارع كما قيل في قوله تعالى : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) [المائدة : ١١٩] على قراءة فتح ميم يوم ، والتصريح بمدار الأمر أعني وضع الثياب في هذا الحين دون ما قيل وما بعد لما أن التجرد عن الثياب فيه لأجل القيلولة لقلة زمانها كما ينبئ عنه إيراد الحين مضافا إلى فعل حادث متقض ووقوعها في النهار الذي هو مئنة لكثرة الورود والصدور ومظنة لظهور الأحوال وبروز الأمور ليس من التحقق والاطراد بمنزلة ما في الوقتين المذكورين فإن تحقق المدار فيهما أمر معروف لا يحتاج إلى التصريح به.
(وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ) ضرورة أنه وقت التجرد عن لباس اليقظة والالتحاف بثياب النوم وكثيرا ما يتعاطى فيه مقدمات الجماع وإن كان الأفضل تأخيره لمن لا يغتسل على الفور إلى آخر الليل ، ويعلم مما ذكر في حيز بيان حكمة مشروعية الاستئذان في الوقت الأول والوقت الأخير أن المراد بالقبلية والبعدية المذكورتين ليس مطلقهما المتحقق في الوقت الممتد المتخلل بين صلاة الفجر وصلاة العشاء بل المراد بهما طرفا ذلك الوقت الممتد المتصلان اتصالا عاديا بالصلاتين المذكورتين وعدم التعرض للأمر بالاستئذان في الباقي من الوقت الممتد إما لانفهامه بعد الأمر بالاستئذان في الأوقات المذكورة من باب الأولى ، وإما لندرة الوارد فيه جدا كما قيل ، وقيل إن ذاك لجريان العادة على أن من ورد فيه لا يرد حتى يعلم أهل البيت لما في الورود ودخول البيت فيه من دون إعلام أهله من التهمة ما لا يخفى.
وقوله تعالى : (ثَلاثُ عَوْراتٍ) خبر مبتدأ محذوف ، وقوله سبحانه (لَكُمْ) متعلق بمحذوف وقع صفة له أي هن ثلاث عورات كائنة لكم ، والعورة الخلل ومنه أعور الفارس وأعور المكان إذا اختل حاله والأعور المختل العين ، وعورة الإنسان سوأته وأصلها كما قال الراغب : من العار وذلك لما يلحق في ظهورها من العار أي المذمة ، وضميرهن المحذوف للأوقات الثلاثة ، والكلام على حذف مضاف أي هي ثلاث أوقات يختل فيها التستر عادة ، وقدر أبو البقاء المضاف قبل (ثَلاثَ) فقال : أي هي أوقات ثلاث عورات أو لا حذف فيه ، وإطلاق العورات على الأوقات المذكورة المشتملة عليها للمبالغة كأنها نفس العورات ، والجملة استئناف مسوق لبيان علة طلب الاستئذان في تلك الأوقات.
وقرأ أبو بكر وحمزة والكسائي «ثلاث» بالنصب على أنه بدل من (ثَلاثَ مَرَّاتٍ) وجوز أبو البقاء كونه بدلا من الأوقات المذكورة ، وكونه منصوبا بإضمار أعني. وقرأ الأعمش «عورات» بفتح الواو وهي لغة هذيل بن مدركة وبني تميم (لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ) أي على الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم (جُناحٌ) أي
__________________
(١) بفتح القاف وتسكينها غير جائز إلا في الضرورة ا ه منه.