واستشكل بأن أن إن كانت تفسيرية ينبغي كسر إن وهو ظاهر وإن كانت مصدرية واسمها ضمير الشأن ، فكذلك إذ على الفتح تسبك مع ما بعدها بمفرد وهو لا يكون خبرا عن ضمير الشأن وخرجت على أن أن تفسيرية وأني إلخ في تأويل مصدر معمول لفعل محذوف ، والتقدير أي يا موسى اعلم أني أنا الله إلخ ، وجاء في سورة [طه : ١١] (نُودِيَ يا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) وفي سورة [النمل : ٨] (نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ) وما هنا غير ذلك بل ما في كل غير ما في الآخر فاستشكل ذلك.
وأجيب بأن المغايرة إنما هي في اللفظ ، وأما في المعنى المراد فلا مغايرة ، وذهب الإمام إلى أنه تعالى حكى في كل من هذه السور بعض ما اشتمل عليه النداء لما أن المطابقة بين ما في المواضع الثلاثة تحتاج إلى تكلف ما والظاهر أن النداء منه عزوجل من غير توسيط ملك ، وقد سمع موسى عليهالسلام على ما تدل عليه الآثار كلاما لفظيا قيل : خلقه الله تعالى في الشجرة بلا اتحاد وحلول ، وقيل : خلقه في الهواء كذلك وسمعه موسى عليهالسلام من جهة الجانب الأيمن أو من جميع الجهات ، وأنا وإن كان كل أحد يشير به إلى نفسه فليس المعنى به محل لفظه.
وذهب الشيخ الأشعري ، والإمام الغزالي إلى أنه عليهالسلام سمع كلامه تعالى النفسي القديم بلا صوت ولا حرف ، وهذا كما ترى ذاته عزوجل بلا كيف ولا كم ، وذكر بعض العارفين أنه إنما سمع كلامه تعالى اللفظي بصوت وكان ذلك بعد ظهوره عزوجل بما شاء من المظاهر التي تقتضيها الحكمة وهو سبحانه مع ظهوره تعالى كذلك باق على إطلاقه حتى عن قيد الإطلاق ، وقد جاء في الصحيح أنه تعالى يتجلى لعباده يوم القيامة في صورة ، فيقول : أنا ربكم فينكرونه ثم يتجلى لهم بأخرى فيعرفونه ، والله تعالى وصفاته من وراء حجب العزة والعظمة والجلال فلا يحدثن الفكر نفسه بأن يكون له وقوف على الحقيقة بحال من الأحوال.
مرام شط مرمى العقل فيه |
|
ودون مداه بيد لا تبيد |
وذكر بعض السلفيين أنه عليهالسلام إنما سمع كلامه تعالى اللفظي بصوت منكر الظهور في المظاهر عادّا القول به من أعظم المناكر ، ولابن القيم كلام طويل في تحقيق ذلك ، وقد قدمنا لك في المقدمات ما يتعلق بهذا المقام فتذكر والله تعالى ولي الأفهام ، وقال الحسن : إنه سبحانه نادى موسى عليهالسلام نداء الوحي لا نداء الكلام ولم يرتض ذلك العلماء الأعلام لما فيه من مخالفة الظاهر وأنه لا يظهر عليه وجه اختصاصه باسم الكليم من بين الأنبياء عليهمالسلام ، ووجه الاختصاص على القول بأنه سمع كلامه تعالى الأزلي بلا حرف ولا صوت ظاهر ، وكذا على القول بأنه عليهالسلام سمع صوتا دالا على كلامه تعالى بلا واسطة ملك أو كتاب سواء كان من جانب واحد لكن بصوت غير مكتسب للعباد على ما هو شأن سماعنا أو من جميع الجهات لما في كل من خرق العادة ، وأما وجهه عند القائلين بأن السماع كان بعد التجلي في المظهر فكذلك أيضا إن قالوا بأن هذا التجلي لم يقع لأحد من الأنبياء عليهمالسلام سوى موسى ، ثم إن علمه عليهالسلام بأن الذي ناداه هو الله تعالى حصل له بالضرورة خلقا منه سبحانه فيه ؛ وقيل : بالمعجزة ، وأوجب المعتزلة أن يكون حصوله بها فمنهم من عينها ومنهم من لم يعينها زعما منهم أن حصول العلم الضروري ينافي التكليف ، وفيه بحث.
(وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ) عطف على أن يا موسى والفاء في قوله تعالى : (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ) فصيحة مفصحة عن جمل حذفت تعويلا على دلالة الحال عليها وإشعارا بغاية سرعة تحقق مدلولاتها أي فألقاها فصارت حية فاهتزت فلما رآها تهتز وتتحرك (كَأَنَّها جَانٌ) هي حية كحلاء العين لا تؤذي كثيرة في الدور ، والتشبيه بها باعتبار سرعة حركتها