تعالى : (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) في موضع الحال ويفهم منه التعليل على المعنيين ، فإن من فرط الغباوة إشراك ما لا يعد شيئا بمن هذا شأنه ، وإن الجماد بالإضافة إلى القادر القاهر على كل شيء البالغ في العلم وإتقان الفعل الغاية القاصية كالمعدوم البحت ، وإن من هذا صفته قادر على مجازاتهم.
(وَتِلْكَ الْأَمْثالُ) أي هذا المثل ونظائره من الأمثال المذكورة في الكتاب العزيز. (نَضْرِبُها لِلنَّاسِ) تقريبا لما بعد من أفهامهم (وَما يَعْقِلُها) على ما هي عليه من الحسن واستتباع الفوائد (إِلَّا الْعالِمُونَ) الراسخون في العلم المتدبرون في الأشياء على ما ينبغي. وروى محيي السنة بسنده عن جابر «أن النبيصلىاللهعليهوسلم تلا هذه الآية (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ) الآية فقال العالم من عقل عن الله تعالى فعمل بطاعته واجتنب سخطه» (خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) أي محقا مراعيا للحكم والمصالح على أنه حال من فاعل خلق أو ملتبسة بالحق الذي لا محيد عنه مستتبعة للمنافع الدينية والدنيوية على أنها حال من مفعوله ، فإنها مع اشتمالها على جميع ما يتعلق به معاشهم شواهد دالة على شئونه تعالى المتعلقة بذاته سبحانه وصفاته كما يفصح عنه قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) دالة لهم على ما ذكر من شئونه عزوجل ، وتخصيص المؤمنين بالذكر مع عموم الهداية والإرشاد في خلقهما للكل لأنهم المنتفعون بذلك (اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ) أي دم على تلاوة ذلك تقربا إلى الله تعالى بتلاوته وتذكرا لما في تضاعيفه من المعاني وتذكيرا للناس وحملا لهم على العمل بما فيه من الأحكام ومحاسن الآداب ومكارم الأخلاق (وَأَقِمِ الصَّلاةَ) أي داوم على إقامتها. وحيث كانت الصلاة منتظمة للصلوات المكتوبة المؤداة بالجماعة وكان أمره صلى الله تعالى عليه وسلم بإقامتها متضمنا لأمر الأمة بها علل بقوله تعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) كأنه قيل : وصل بهم إن الصلاة تنهاهم عن الفحشاء والمنكر ، ومعنى نهيها إياهم عن ذلك أنها لتضمنها صنوف العبادة من التكبير والتسبيح والقراءة والوقوف بين يدي الله عزوجل والركوع والسجود له سبحانه الدال على غاية الخضوع والتعظيم كأنها تقول لمن يأتي بها لا تفعل الفحشاء والمنكر ولا تعص ربا هو أهل لما أتيت به ، وكيف يليق بك أن تفعل ذلك وتعصيه عزوجل وقد أتيت مما يدل على عظمته تعالى وكبريائه سبحانه من الأقوال والأفعال بما تكون به إن عصيت وفعلت الفحشاء أو المنكر كالمتناقض في أفعاله ، وبما ذكر ينحل الإشكال المشهور وهو أنا نرى كثيرا من المرتكبين للفحشاء والمنكر يصلون ولا ينتهون عن ذلك ، فإن نهيها إياهم عن الفحشاء والمنكر بهذا المعنى لا يستلزم انتهاءهم. ألا ترى أن الله تعالى ينهى عن ذلك أيضا كما قال سبحانه : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ) [النحل : ٩٠] والناس لا ينتهون وليس نهي الصلاة بأعظم من نهيه سبحانه وتعالى ، فإذا لم يكن هناك استلزام فكيف يكون هنا. وما أرى هذا الإشكال إلا مبنيا على توهم استلزام النهي للانتهاء ، وهو توهم باطل وتخيل عاطل لا يشهد له عقل ولا يؤيده نقل. ونقل أبو حيان عن ابن عباس والكلبي وابن جريج وحماد بن أبي سليمان أن الصلاة تنهى عن ذلك ما دام المصلي فيها ، وكأنهم أرادوا أنها كالناهية للمصلي القائلة له لا تفعل ذلك ما دام فيها لأنه إذا فرغ منها فقد انقطعت الأقوال والأفعال التي كان النهي بما تدل عليه من العظمة والكبرياء. ونقل عن القطب أنه قال في جواب الإشكال : إن الصلاة تقام لذكر الله تعالى كما قال عزّ من قائل : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) [طه : ١٤] ومن كان ذاكرا لله عزوجل منعه ذلك عن الإتيان بما يكرهه منه تعالى مما قل أو كثر وكل من تراه يصلي ويأتي الفحشاء والمنكر فهو بحيث لو لم يكن يصلي لكان أشد إتيانا فقد أثرت الصلاة في تقليل فحشائه ومنكره ، وهو كما ترى ، وقيل : إن المراد أن الصلاة سبب للانتهاء عن ذلك ، وليس هذا كليا لما أن الصلاة في حكم النكرة وهي في الإثبات لا يجب أن تعم فينحل الإشكال ، وعلى ما قلنا لا يضر دعوى الكلية. نعم