واحد : إن نور جميع الكواكب مستفاد منها وإن لم يظهر اختلاف تشكلاته بالقرب والبعد منها كما في نور القمر.
وقرأ الحسن والأعمش والنخعي وعصمة عن عاصم «وقمرا» بضم القاف وسكون الميم ، واستظهر أبو حيان أنها لغة في القمر كالرشد والرشد والعرب والعرب ، وقيل : هو جمع قمراء وهي الليلة المنيرة بالقمر والكلام على حذف مضاف أي وذا قمر أي صاحب ليال قمر ، والمراد بهذا الصاحب القمر نفسه ويكون قوله سبحانه : (مُنِيراً) صفة لذلك المضاف المحذوف لأن المحذوف قد يعتبر بعد حذفه كما في قول حسان رضي الله تعالى عنه :
بردى يصفق بالرحيق السلسل
فإنه يريد ماء بردى ولذا قال يصفق بالياء من تحت ولو لم يراع المضاف لقال تصفق بالتاء (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً) أي ذوي خلفة يخلف كل منهما الآخر بأن يقوم مقامه فيما ينبغي أن يعمل فيه ، وروي هذا عن ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير ، وقيل : بأن يعقبه ويجيء بعده وهو اسم للحالة من خلف كالركبة والجلسة من ركب وجلس. ونصبه على أنه مفعول ثان لجعل أو حال إن كان بمعنى خلق ، وجعله بعضهم بمعنى اختلافا والمراد الاختلاف في الزيادة والنقصان كما قيل أو في السواد والبياض كما روي عن مجاهد أو فيما يعم ذلك وغيره كما هو محتمل ؛ وفي البحر يقال : بفلان خلفة واختلاف إذا اختلف كثيرا إلى متبرزه. ومن هذا المعنى قول زهير :
بها العين والآرام يمشين خلفة |
|
وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم |
وقول الآخر يصف امرأة تنتقل من منزل في الشتاء إلى منزل في الصيف دأبا :
ولها بالماطرون إذا |
|
أكل النمل الذي جمعا |
خلفة حتى إذا ارتفعت |
|
سكنت من جلق بيعا |
في بيوت وسط دسكرة |
|
حولها الزيتون قد نبعا |
انتهى. وجوز عليه أن يكون المراد يذهب كل منهما ويجيء كثيرا. واعتبار المضاف المقدر على حاله وكذا فيما قبله. وفي القاموس الخلف والخلفة بالكسر المختلف. وعليه لا حاجة إلى تقدير المضاف ، والمعنى جعلهما مختلفين والإفراد لكونه مصدرا في الأصل (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ) أي ليكونا وقتين للمتذكر من فاته ورده من العبادة في أحدهما تداركه في الآخر ، وروي هذا عن جماعة من السلف ، وروى الطيالسي وابن أبي حاتم أن عمر رضي الله تعالى عنه أطال صلاة الضحى فقيل له : صنعت شيئا لم تكن تصنعه قال : إنه بقي على من وردي شيء فأحببت أن أتمه أو قال : أقضيه وتلا هذه الآية وكأن التذكر مجاز عن أداء ما فات وهو «مما يتوقف الأداء عليه ، وفي الكلام تقدير كما أشير إليه ويجوز أن يكون تقدير معنى لا إعراب (أَوْ أَرادَ شُكُوراً) أن يشكر الله تعالى بأداء نوع من العبادة لم يكن وردا له. وفي مجمع البيان المعنى لمن أراد النافلة بعد أداء الفريضة ، ويجوز أن يكون المعنى لمن أراد أن يتذكر ويتفكر في بدائع صنع الله تعالى فيعلم أنه لا بد لما ذكر من صانع حكيم واجب الذات ذي رحمة على العباد أو أراد أن يشكر الله سبحانه على ما فيهما من النعم وهو وجه حسن يكاد لا يلتفت لغيره لو لم يكن مأثورا ، والظاهر أن اللام على هذا صلة (جَعَلَ) ولما كان ظهور فائدة ذلك لمن أراد التذكر أو أراد الشكر اقتصر عليه ، وجوز أن تكون للتعليل و (أَوْ) للتنويع على معنى الاشتمال على هذين المعنيين أو للتخيير على معنى الاستقلال بكل ولا منع من الاجتماع. وفائدة هذا الأسلوب إفادة الاستقلال ولو ذكر الواو بدلها لتوهم المعية ، ولعل في التعبير أولا بأن والفعل دون المصدر الصريح كما في الشق الثاني مع أنه أخصر إيماء إلى الاعتناء بأمر التذكر فتذكر.