(يَعْصِمُكُمْ) من معنى المنع ، واختير الأول لسلامته عن حذف حملة بلا ضرورة.
(وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا) ينفعهم (وَلا نَصِيراً) يدفع الضرر عنهم ، والمراد الأولى فيجدوه إلخ فهو كقوله : * ولا ترى الضب بها ينجحر* ا ه وهو معطوف على ما قبله بحسب المعنى فكأنه قيل : لا عاصم لهم ولا ولي ولا نصير أو الجملة حالية.
(قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ) أي المثبطين عن رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم (وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا) أي أقبلوا إلينا أو قربوا أنفسكم إلينا ، قال ابن السائب : الآية في عبد الله بن أبي ، ومعتب بن قشير ، ومن رجع من المنافقين من الخندق إلى المدينة كانوا إذا جاءهم المنافق قالوا له : ويحك اجلس ولا تخرج ويكتبون إلى إخوانهم في العسكر أن ائتونا فإنّا ننتظركم ، وقال قتادة : هي في المنافقين كانوا يقولون لإخوانهم من ساكني المدينة من أنصار رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم : ما محمد عليه الصلاة والسلام وأصحابه إلّا أكلة رأس ولو كانوا لحما لالتهمهم أبو سفيان وأصحابه فخلوهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال : انصرف رجل من عند رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم يوم الأحزاب إلى شقيقه فوجد عنده شواء ونبيذا فقال له : أنت هاهنا ورسول الله عليه الصلاة والسلام بين الرماح والسيوف فقال : هلم إلى فقد أحيط بك وبصاحبك والذي يحلف به لا يستقبلها محمد أبدا فقال : كذبت والذي يحلف به لأخبرنه بأمرك فذهب ليخبره صلّى الله تعالى عليه وسلم فوجد جبريل عليهالسلام قد نزل بهذه الآية.
وقيل : هؤلاء اليهود كانوا يقولون لأهل المدينة : تعالوا إلينا وكونوا معنا ، وكأن المراد من أهل المدينة المنافقون منهم المعلوم نفاقهم عند اليهود ؛ و (قَدْ) للتحقيق أو للتقليل وهو باعتبار المتعلق ، و (مِنْكُمْ) بيان للمعوقين لا صلته كما أشير إليه ، والمراد بالإخوة التشارك في الصفة وهو النفاق على القول الأول ، والكفر بالنبي صلّى الله تعالى عليه وسلم على القول الأخير ، والصحبة والجوار وسكنى المدينة على القول الثاني وكذا على القول الثالث فإن ذلك يجامع الأخوة في النسب ، وظاهر صيغة الجمع يقتضي أن الآية لم تنزل في ذينك الشقيقين وحدهما فلعلها نزلت فيهما وفي المنافقين القائلين ذلك والأنصار المخلصين المقول لهم ، وجواز كونها نزلت في جماعة من الإخوان في النسب مجرد احتمال وإن كان له مستند سمعي فلتحمل الأخوة عليه على الأخوة في النسب ولا ضير ، والقول بجميع الأقوال الأربعة المذكورة وحمل الأخوة على الأخوة في الدين والأخوة في الصحبة والجوار والأخوة في النسب لا يخفى حاله ، و (هَلُمَ) عند أهل الحجاز يسوى فيه بين الواحد والجماعة ، وأما عند تميم فيقال : هلم يا رجل وهلموا يا رجال ، وهو عند بعض الأئمة صوت سمي به الفعل ، واشتهر أنه يكون متعديا كهلم شهداءكم بمعنى أحضروا أو قربوا ولازما كهلم إلينا بناء على تفسيره بأقبلوا إلينا ؛ وأما على تفسيره بقربوا أنفسكم إلينا فالظاهر أنه متعد حذف مفعوله ، وجوز كونه لازما وهذا تفسير لحاصل المعنى ، وفي البحر أن الذي عليه النحويون أن هلم ليس صوتا وإنما هو مركب اختلف في أصل تركيبه فقيل : مركب من ها التي للتنبيه والمم بمعنى أقصد وأقيل وهو مذهب البصريين ، وقيل : من هل وأم ، والكلام على المختار من ذلك مبسوط في محله. (وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ) أي الحرب والقتال وأصل معناه الشدة (إِلَّا قَلِيلاً) أي إتيانا أو زمانا قليلا فقد كانوا لا يأتون العسكر إلّا أن لا يجدوا بدا من إتيانه فيأتون ليرى الناس وجوههم فإذا غفلوا عنهم عادوا إلى بيوتهم ، ويجوز أن يكون صفة مفعول مقدر كما كان صفة المصدر أو الزمان أي إلّا بأسا قليلا على أنهم يعتذرون في البأس الكثير ولا يخرجون إلّا في القليل ، وإتيان البأس على هذه الأوجه على