ظاهره ، ويجوز أن يكون كناية عن القتال ، والمعنى ولا يقاتلون إلّا قتالا قليلا كقوله تعالى (ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً) وقلته إما لقصر زمانه وإما لقلة غنائه ، وأيا ما كان فالجملة حال من (الْقائِلِينَ) وقيل : يجوز أيضا أن تكون عطف بيان على (قَدْ يَعْلَمُ) وهو كما ترى ، وقيل : هي من مقول القول وضمير الجمع لأصحاب النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم أي القائلين ذلك والقائلين لا يأتي أصحاب محمد صلّى الله تعالى عليه وسلم حرب الأحزاب ولا يقامونهم إلّا قليلا ، وهذا القول خلاف المتبادر وكأنه ذهب إليه من قال أن الآية في اليهود.
(أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ) أي بخلاء عليكم بالنفقة والنصرة على ما روي عن مجاهد وقتادة ، وقيل : بأنفسهم ، وقيل : بالغنيمة عند القسم ، وقيل : بكل ما فيه منفعة لكم وصوب هذا أبو حيان ، وذهب الزمخشري إلى أن المعنى أضناء بكم يترفرفون عليكم كما يفعل الرجل بالذاب عنه المناضل دونه عند الخوف وذلك لأنهم يخافون على أنفسهم لو غلب النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم ومن معه من المؤمنين حيث لم يكن لهم من يمنع الأحزاب عنهم ولا من يحمي حوزتهم سواهم ، وقيل : كانوا يفعلون ذلك رياء ، والأكثرون ذهبوا إلى ما سمعت قبل وعدل إليه مختصرو كشافه أيضا وذلك على ما قيل لأن ما ذهب إليه معنى ما في التفريع بعد فيحتاج إلى جعله تفسيرا ، ورجحه بعض الأجلة على ما ذهب إليه الأكثر فقال : إنما اختاره ليطابق معنى ويقابل قوله وتعالى بعد : (أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ) ولأن الاستعمال يقتضيه فإن الشح على الشيء هو أن يراد بقاؤه كما في الصحاح وأشار إليه بقوله : أضناء بكم ، وما ذكره غيره لا يساعده الاستعمال انتهى.
قال الخفاجي : إن سلم ما ذكر من الاستعمال كان متعينا وإلّا فلكل وجهة كما لا يخفى على العارف بأساليب الكلام ، و (أَشِحَّةً) جميع شحيح على غير القياس إذ قياس فعيل الوصف المضعف عينه ولامه أن يجمع على أفعلاء كضنين وأضناء وخليل وأخلاء فالقياس أشحاء وهو مسموع أيضا ، ونصبه عند الزجاج وأبي البقاء على الحال من فاعل (يَأْتُونَ) على معنى تركوا الإتيان أشحة ، وقال الفراء : على الذم ، وقيل : على الحال من ضمير (هَلُمَّ إِلَيْنا) أو من ضمير يعوقون مضمرا ، ونقل أولهما عن الطبري وهو كما ترى ، وقيل : من (الْمُعَوِّقِينَ) أو من القائلين ، وردا بأن فيهما الفصل بين أبعاض الصلة ، وتعقب بأن الفاصل من متعلقات الصلة وإنما يظهر الرد على كونه حالا من (الْمُعَوِّقِينَ) لأنه قد عطف على الموصول قبل تمام صلته.
وقرأ ابن أبي عبلة «أشحة» بالرفع على إضمار مبتدأ أي هم أشحة (فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ) من العدو وتوقع أن يستأصل أهل المدينة (رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ) أي أحداقهم أو بأحداقهم على أن الباء للتعدية فيكون المعنى تدير أعينهم أحداقهم ، والجملة في موضع الحال أي دائرة أعينهم من شدة الخوف.
(كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) صفة لمصدر (يَنْظُرُونَ) أو حال من فاعله أو لمصدر (تَدُورُ) أو حال من (أَعْيُنُهُمْ) أي ينظرون نظرا كائنا كنظر المغشي عليه من معالجة سكرات الموت حذرا وخوفا ولواذا بك أو ينظرون كائنين كالذي إلخ أو تدور أعينهم دورانا كائنا كدوران عين الذي إلخ أو تدور أعينهم كائنة كعين الذي إلخ ، وقيل : معنى الآية إذا جاء الخوف من القتال وظهر المسلمون على أعدائهم رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم في رؤيتهم وتجول وتضطرب رجاء أن يلوح لهم مضرب لأنهم يحضرون على نية شر لا على نية خير ، والقول الأول هو الظاهر (فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ) أي آذوكم بالكلام وخاصموكم بألسنة سلطة ذربة قاله الفراء ، وعن قتادة بسطوا ألسنتهم فيكم وقت قسمة الغنيمة يقولون : أعطونا أعطونا فلستم بأحق بها منا ، وقال يزيد بن رومان : بسطوا ألسنتهم في أذاكم وسبكم وتنقيص ما أنتم عليه من الدين.