وقال بعض الأجلة : أصل السلق بسط العضو ومده للقهر سواء كان يدا أو لسانا فسلق اللسان بإعلان الطعن والذم وفسر السلق هنا بالضرب مجازا كما قيل للذم طعن ، والحامل عليه توصيف الألسنة بحداد ، وجوز أن يشبه اللسان بالسيف ونحوه على طريق الاستعارة المكنية ويثبت له السلق بمعنى الضرب تخييلا ، وسأل نافع بن الأزرق ابن عباس رضي الله تعالى عنه السلق في الآية فقال : الطعن باللسان قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ فقال : نعم أما سمعت قول الأعشى :
فيهم الخصب والسماحة والنجدة |
|
فيهم والخاطب المسلاق |
وفسره الزجاج بالمخاطبة الشديدة قال : معنى سلقوكم خاطبوكم أشد مخاطبة وأبلغها في الغنيمة يقال : خطيب مسلاق وسلاق إذا كان بليغا في خطبته ، واعتبر بعضهم في السلق رفع الصوت وعلى ذلك جاء قوله صلّى الله تعالى عليه وسلم : «ليس منا من سلق أو حلق» قال في النهاية أي رفع صوته عند المصيبة ، وقيل : إن تصك المرأة وجهها وتمرشه ، والأول أصح ، وزعم بعضهم ان المعنى في الآية بسطوا ألسنتهم في مخادعتكم بما يرضيكم من القول على جهة المصانعة والمجاملة ، ولا يخفى ما فيه ، وقرأ ابن أبي عبلة «صلقوكم» بالصاد.
(أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ) أي بخلاء حريصين على مال الغنائم على ما روي عن قتادة ، وقيل : على ما لهم الذي ينفقونه ، وقال الجبائي : أي بخلاء بأن يتكلموا بكلام فيه خير ، وذهب أبو حيان إلى عموم الخير. ونصب (أَشِحَّةً) على الحال من فاعل (سَلَقُوكُمْ) أو على الذم ، ويؤيده قراءة ابن أبي عبلة «أشحة» بالرفع لأنه عليه خبر مبتدأ محذوف أي هم (أَشِحَّةً) والجملة مستأنفة لا حالية كما هو كذلك على الذم ، وغاير بعضهم بين الشح هنا والشح فيما مرّ بأن ما هنا مقيد بالخبر المراد به مال الغنيمة وما مرّ مقيد بمعاونة المؤمنين ونصرتهم أو بالإنفاق في سبيل الله تعالى فلا يتكرر هذا مع ما سبق ، والزمخشري لما ذهب إلى ما ذهب هناك ، قال هنا : فإذا ذهب الخوف وحيزت الغنائم ووقعت القسمة نقلوا ذلك الشح وتلك الضنة والرفرفة عليكم إلى الخير وهو المال والغنيمة ونسوا تلك الحالة الأولى واجترءوا عليكم وضربوكم بألسنتكم إلخ ، وقد سمعت ما قال بعض الأجلة في ذلك.
ويمكن أن يقال في الفرق بين هذا وما سبق : إن المراد مما سبق ذمهم بالبخل بكل ما فيه منفعة أو بنوع منه على المؤمنين ومن هذا ذمهم بالحرص على المال أو ما فيه منفعة مطلقا من غير نظر إلى كون ذلك على المؤمنين أو غيرهم وهو أبلغ في ذمهم من الأول (أُولئِكَ) الموصوفون بما ذكر من صفات السوء (لَمْ يُؤْمِنُوا) بالإخلاص فإنهم المنافقون الذين أظهروا الإيمان وأبطنوا في قلوبهم الكفر (فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمالَهُمْ) أي أظهر بطلانها لأنها باطلة منذ عملت إذ صحتها مشروطة بالإيمان بالإخلاص وهم مبطنون الكفر وفي البحر أي لم يقبلها سبحانه فكانت كالمحبطة وعلى الوجهين المراد بالأعمال العبادات المأمور بها ، وجوز أن يكون المراد بها ما عملوه نفاقا وتصنعا وإن لم يكن عبادة ، والمعنى فأبطل عزوجل صنعهم ونفاقهم فلم يبق مستتبعا لمنفعة دنيوية أصلا.
وحمل بعضهم الأعمال على العبادات والإحباط على ظاهره بناء على ما روي عن ابن زيد عن أبيه قال نزلت الآية في رجل بدري نافق بعد بدر ووقع منه ما وقع فأحبط الله تعالى عمله في بدر وغيرها ، وصيغة الجمع تبعد ذلك وكذا قوله تعالى : (لَمْ يُؤْمِنُوا) فإن هذا كما هو ظاهر هذه الرواية قد آمن قبل ، وأيضا قوله عليه الصلاة والسلام : «لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» يأبى ذلك فالظاهر والله تعالى أعلم أن هذه الرواية غير صحيحة.