(وَكانَ ذلِكَ) أي الإحباط (عَلَى اللهِ يَسِيراً) أي هينا لا يبالي به ولا يخاف سبحانه اعتراضا عليه، وقيل : أي هينا سهلا عليه عزوجل ، وتخصيص يسره بالذكر مع أن كل شيء عليه تعالى يسير لبيان أن أعمالهم بالإحباط المذكور لكمال تعاضد الحكم المقتضية له وعدم مانع عنه بالكلية ، وقيل : ذلك إشارة إلى حالهم من الشح ونحوه ، والمعنى كان ذلك الحال عليه عزوجل هينا لا يبالي به ولا يجعله سبحانه سببا لخذلان المؤمنين وليس بذاك ، والمقصود مما ذكر التهديد والتخويف (يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا) أي هم من الجزع والدهشة لمزيد جبنهم وخوفهم بحيث هزم الله الأحزاب فرحلوا وهم يظنون أنهم لم يرحلوا ، وقيل : المراد هؤلاء لجبنهم يحسبون الأحزاب لم ينهزموا وقد انهزموا فانصرفوا عن الخندق راجعين إلى المدينة لذلك ، وهذا إن صحت فيه رواية فذاك وإلّا فالظاهر أنه مأخوذ من قوله تعالى : (وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا) لدلالته ظاهرا على أنهم خارجون عن معسكر رسول الله صلىاللهعليهوسلم يحثون إخوانهم على اللحاق بهم ، وكون المراد هلموا إلى رأينا أو إلى مكاننا الذي هو في طرف لا يصل إليه السهم خلاف الظاهر ، وكذا من قوله سبحانه (وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ) على ما هو الظاهر أيضا إذ يبعد حمله على اتحاد المكان ولو في الخندق (وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ) كرة ثانية (يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ) تمنوا أنهم خارجون إلى البدو وحاصلون مع الأعراب وهم وأهل العمود ، وقرأ عبد الله ، وابن عباس ، وابن يعمر ، وطلحة «بدى» جمع باد كغاز وغزى وليس بقياس في معتل اللام وقياسه فعلة كقاض وقضاة ؛ وفي رواية أخرى عن ابن عباس «بدوا» فعلا ماضيا ، وفي رواية صاحب الاقليد «بدى» بوزن عدى (يَسْئَلُونَ) أي كل قادم من جانب المدينة (عَنْ أَنْبائِكُمْ) عما جرى عليكم من الأحزاب يتعرفون أحوالكم بالاستخبار لا بالمشاهدة فرقا وجبنا ، واختيار البداوة ليكونوا سالمين من القتال ، والجملة في موضع الحال من فاعل بادون ، وحكى ابن عطية أن أبا عمرو ، وعاصما ، والأعمش قرءوا «يسلون» بغير همز نحر قوله تعالى (سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ) [البقرة : ٢١١] ولم يعرف ذلك عن أبي عمرو وعاصم ، ولعل ذلك في شاذهما ونقلها صاحب اللوامح عن الحسن والأعمش ، وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما وقتادة والجحدري ، والحسن ، ويعقوب بخلاف عنهما «يسألون» بتشديد السين والمد وأصله يتساءلون فأدغمت التاء في السين أي يسأل بعضهم بعضا أي يقول بعضهم لبعض : ما ذا سمعت وما ذا بلغك؟ أو يتساءلون الأعراب أي يسألونهم كما تقول : رأيت الهلال وتراءيته وأبصرت زيدا وتباصرته (وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ) أي في هذه الكرة المفروضة بقوله تعالى : (وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ) او (لَوْ كانُوا فِيكُمْ) في الكرة الأولى السابقة ولم يرجعوا إلى داخل المدينة وكانت محاربة بالسيوف ومبارزة الصفوف (ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً) رياء وسمعة وخوفا من التعبير قال مقاتل والجياني والبعلبكي : هو قليل من حيث هو رياء ولو كان الله تعالى كان كثيرا (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) الظاهر أن الخطاب للمؤمنين الخلص المخاطبين من قبل في قوله تعالى : (عَنْ أَنْبائِكُمْ) وقوله سبحانه : (وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ).
والإسوة بكسرة الهمزة كما قرأ الجمهور وبضمها كما قرأ عاصم الخصلة ، وقال الراغب : الحالة التي يكون عليها الإنسان وهي اسم كان و (لَكُمْ) الخبر و (فِي رَسُولِ اللهِ) متعلق بما تعلق به (لَكُمْ) أو في موضع من (أُسْوَةٌ) لأنه لو تأخر جاز أن يكون نعتا لها أو متعلق بكان على مذهب من أجاز فيها ناقصة وفي أخواتها أن تعمل في الظرف ، وجوز أن يكون في رسول الله الخبر ولكم تبيين أي أعني لكم أي والله لقد كان لكم في رسول الله خصلة حسنة من حقها أن يؤتسى ويقتدى بها كالثبات في الحرب ومقاساة الشدائد ؛ ويجوز أن يراد بالأسوة القدوة بمعنى المقتدى على معنى هو صلّى الله تعالى عليه وسلم في نفسه قدوة يحسن التأسي به ، وفي الكلام صنعة التجريد وهو