أن ينتزع من ذي صفة آخر مثله فيها مبالغة في الاتصاف نحو لقيت منه أسدا وهو كما يكون بمعنى من يكون بمعنى في كقوله :
أراقت بنو مروان ظلما دماءنا |
|
وفي الله إن لم يعدلوا حكم عدل |
وكقوله : في البيضة عشرون منّا حديدا أي هي نفسها هذا القدر من الحديد ، والآية وإن سيقت للاقتداء به عليه الصلاة والسلام في أمر الحرب من الثبات ونحوه فهي عامة في كل أفعاله صلّى الله تعالى عليه وسلم إذا لم يعلم أنها من خصوصياته كنكاح ما فوق أربع نسوة ، أخرج ابن ماجة ، وابن أبي حاتم عن حفص بن عاصم قال : قلت لعبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما رأيتك في السفر لا تصلي قبل الصلاة ولا بعدها فقال يا ابن أخي صحبت رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم كذا وكذا فلم أره يصلي قبل الصلاة ولا بعدها ويقول الله تعالى : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن قتادة قال : هم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أن ينهي عن الحبرة فقال رجل : أليس قد رأيت رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم يلبسها؟ قال عمر : بلى قال الرجل ألم يقل الله تعالى : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) فترك ذلك عمر رضي الله تعالى عنه.
وأخرج الشيخان ، والنسائي ، وابن ماجة ، وغيرهم عن ابن عمر أنه سأل عن رجل معتمر طاف بالبيت أيقع على امرأته قبل أن يطوف بين الصفا والمروة فقال قدم رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم فطاف بالبيت وصلّى خلف المقام ركعتين وسعى بين الصفا والمروة قرأ (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) وأخرج الشيخان ، وغيرهما عن ابن عباس قال : إذ حرم الرجل عليه امرأته فهو يمين يكفرها ، وقال : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) إلى غير ذلك من الأخبار ، وتمام الكلام في كتب الأصول.
(لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) أي يؤمل الله تعالى وثوابه كما يرمز إليه أثر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، وعليه يكون قد وضع (الْيَوْمَ الْآخِرَ) بمعنى يوم القيامة موضع الثواب لأن ثوابه تعالى يقع فيه فهو على ما قال الطيبي من إطلاق اسم المحل على الحال ، والكلام نحو قولك : أرجو زيدا وكرمه مما يكون ذكر المعطوف عليه فيه توطئة للمعطوف وهو المقصود وفيه من الحسن والبلاغة ما ليس في قولك : أرجو زيدا كرمه على البدلية : وقال صاحب الفرائد ، يمكن أن يكون التقدير يرجو رحمة الله أو رضا الله وثواب اليوم الآخر ففي الكلام مضافان مقدران ، وعن مقاتل أي يخشى الله تعالى ويخشى البعث الذي فيه جزاء الأعمال على أنه وضع اليوم الآخر موضع البعث لأنه يكون فيه ، والرجاء عليه بمعنى الخوف ، ومتعلق الرجاء بأي معنى كان أمر من جنس المعاني لأنه لا يتعلق بالذوات ، وقدر بعضهم المضاف إلى الاسم الجليل لفظ أيام مرادا بها الوقائع فإن اليوم يطلق على ما يقع فيه من الحروب والحوادث واشتهر في هذا حتى صار بمنزلة الحقيقة وجعل قرينة هذا التقدير المعطوف وجعل العطف من عطف الخاص على العام ، والظاهر أن الرجاء على هذا بمعنى الخوف ، وجوز أن يكون الكلام عليه كقولك : أرجو زيدا وكرمه ، وأن يكون الرجاء فيه بمعنى الأمل إن أريد ما في اليوم من النصر والثواب ، وأن يكون بمعنى الخوف والأمل معا بناء على جواز استعمال اللفظ في معنييه أو في حقيقته ومجازه وإرادة ما يقع فيه من الملائم والمنافر ، وعندي أن تقدير أيام غير متبادر إلى الفهم ، وفسر بعضهم (الْيَوْمَ الْآخِرَ) بيوم السياق والمتبادر منه يوم القيامة و(من) على ما قيل بدل من ضمير الخطاب في (لَكُمْ) وأعيد العامل للتأكيد وهو بدل كل من كل والفائدة فيه الحث على التأسي ، وإبدال الاسم الظاهر من ضمير المخاطب هذا الإبدال جائز عند الكوفيين ، والأخفش ، ويدل عليه قوله :
بكم قريش كفينا كل معضلة |
|
وأم نهج الهدى من كان ضليلا |