الواقع واقع فتخلص عما ورد عليه من قول النحاة لا يستثنى بأداة واحدة دون عطف شيئان انتهى فتدبره ، وجوز أن يكون (غَيْرَ ناظِرِينَ) حالا من المجرور في (لَكُمْ) ولم يذكره الزمخشري ، وفي الكشف لو جعل حالا من ذلك لأفاد ما ذكره من حيث إنه نهى عن الدخول في جميع الأوقات إلا وقت وجود الإذن المقيد ، وقال العلامة تقي الدين لم يجعل حالا من ذلك وإن كان جائزا من جهة الصناعة لأنه يصير حالا مقدرة ولأنهم لا يصيرون منهيين عن الانتظار بل يكون ذلك قيدا في الإذن وليس المعنى على ذلك بل على أنهم نهوا أن يدخلوا إلا بإذن ونهوا إذا دخلوا أن يكونوا غير ناظرين إناه فلذلك امتنع من جهة المعنى أن يكون العامل فيه (يُؤْذَنَ) وأن يكون حالا من مفعوله ا ه.
ولعله أبعد نظرا مما في الكشف ، وقرأ ابن أبي عبلة «غير» بالكسر على أنه صفة لطعام فيكون جاريا على غير من هو له ، ومذهب البصريين في ذلك وجوب إبراز الضمير بأن يقال هنا غير ناظر أنتم أو غير ناظرين أنتم ولا بأس بحذفه عند الكوفيين إذا لم يقع لبس كما هنا والتخريج المذكور عليه ، وقد أمال حمزة والكسائي «إناه» بناء على أنه مصدر أني الطعام إذا أدرك ، وقرأ الأعمش «إناءة» بمدة بعد النون (وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا) استدراك من النهي عن الدخول بغير إذن فيه دلالة على أن المراد بالإذن إلى الطعام الدعوة إليه (فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا) أي فإذا أكلتم الطعام فتفرقوا ولا تلبثوا ، والفاء للتعقيب بلا مهلة للدلالة على أنه ينبغي أن يكون دخولهم بعد الإذن والدعوة على وجه يعقبه الشروع في الأكل بلا فصل ، والآية على ما ذهب إليه الجل من المفسرين خطاب لقوم كانوا يتحينون طعام النبي صلىاللهعليهوسلم فيدخلون ويقعدون منتظرين لإدراكه مخصوصة بهم وبأمثالهم ممن يفعل مثل فعلهم في المستقبل فالنهي مخصوص بمن دخل بغير دعوة وجلس منتظرا للطعام من غير حاجة فلا تفيد النهي عن الدخول بأذن لغير طعام ولا عن الجلوس واللبث بعد الطعام لمهم آخر ، ولو اعتبر الخطاب عاما لكان الدخول واللبث المذكوران منهيا عنهما ولا قائل به ، ويؤيد ما ذكر ما أخرجه عبد بن حميد عن الربيع عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : كانوا يتحينون فيدخلون بيت النبي صلىاللهعليهوسلم فيجلسون فيتحدثون ليدرك الطعام فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) الآية وكذا ما أخرجه ابن أبي حاتم عن سليمان بن أرقم قال نزلت في الثقلاء ومن هنا قيل إنها آية الثقلاء ، وتقدم لك القول بجواز كون (إِلى طَعامٍ) قد تنازع فيه الفعلان (تَدْخُلُوا) و (يُؤْذَنَ) والأمر عليه ظاهر.
وقال العلامة ابن كمال : الظاهر أن الخطاب عام لغير المحارم وخصوص السبب لا يصلح مخصصا على ما تقرر في الأصول ، نعم يكون وجها لتقييد الإذن بقوله تعالى (إِلى طَعامٍ) فيندفع وهم اعتبار مفهومه انتهى وفيه بحث فتأمل والمشهور في سبب النزول ما ذكرناه أول الكلام في الآية عن الإمام أحمد والشيخين وغيرهم فلا تغفل.
(وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ) أي لحديث بعضكم بعضا أو لحديث أهل البيت بالتسمع له فاللام تعليلية أو اللام المقوية و (مُسْتَأْنِسِينَ) مجرور معطوف على (ناظِرِينَ) و (لا) زائدة ، يجوز أن يكون منصوبا معطوفا على (غَيْرَ) كقوله تعالى : (وَلَا الضَّالِّينَ) [الفاتحة : ٧] وجوز أن يكون حالا مقدرة أو مقارنة من فاعل فعل حذف مع فاعله وذلك معطوف على المذكور والتقدير ولا تدخلوها أو لا تمكثوا مستأنسين لحديث (إِنَّ ذلِكُمْ) أي اللبث الدال عليه الكلام أو الاستئناس أو المذكور من الاستئناس والنظر أو الدخول على غير الوجه المذكور ، والأول أقوى ملاءمة للسياق والسباق (كانَ يُؤْذِي النَّبِيَ) لأنه يكون مانعا له عليه الصلاة والسلام عن قضاء بعض أوطاره مع ما فيه من تضييق المنزل عليه صلىاللهعليهوسلم وعلى أهله (فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ) أي من إخراجكم بأن يقول لكم اخرجوا أو من منعكم عما يؤذيه على ما قيل فالكلام على تقدير المضاف لقوله تعالى :
(وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِ) فإنه يدل على أن المستحيا منه معنى من المعاني لا ذواتهم ليتوارد النفي