والإثبات على شيء واحد كما يقتضيه نظام الكلام فلو كان المراد الاستحياء من ذواتهم لقال سبحانه والله لا يستحيي منكم فالمراد بالحق إخراجهم أو المنع عن ذلك ، ووضع الحق موضعه لتعظيم جانبه وحاصل الكلام أنه تعالى لم يترك الحق وأمركم بالخروج ، والتعبير بعدم الاستحياء للمشاكلة ، وجوز أن يكون الكلام على الاستعارة أو المجاز المرسل ، واعتبار تقدير المضاف مما ذهب إليه الزمخشري وكثير وهو الذي ينبغي أن يعول عليه ، وفي الكشف فإن قلت : الاستحياء من زيد للإخراج مثلا هو الحقيقة والاستحياء من استخراجه توسع بجعل ما نشأ منه الفعل كالصلة وكلتا العبارتين صحيحة يصح إيقاع إحداهما موقع الأخرى ، قلت : أريد أنه لا بدّ من ملاحظة معنى الإخراج فإما أن يقدر الإخراج ويوقع عليه فيكثر الإضمار ولا يطابق اللفظ نفيا وإثباتا ، وإما أن يقدر المضاف فيقل ويطابق ، ومع وجود المرجح وفقد المانع لا وجه للعدول فلا بدّ مما ذكر.
وقال العلامة ابن كمال : إن قوله تعالى : (فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ) تعليل المحذوف دل عليه السياق أي ولا يخرجكم فيستحيي منكم ولذلك صدر بأداة التعليل ولو كان المعنى يستحيي من إخراجكم لكان حقه أن يصدر بالواو ، وفيه أن الكلام بعد تسليم ما ذكر على تقدير المضاف. وزعم بعضهم أن الأصل فيستحيي منكم من الحق والله لا يستحيي منكم من الحق والمراد بالحق إخراجهم على أن ذلك من الاحتباك وكلا حرفي الجر ليس بمعنى واحد بل الأول للابتداء والثاني للتعليل ، وقال : إن الحمل على ذلك هو الأنسب للإعجاز التنزيلي والاختصار القرآني ولا يخفى ما فيه.
وقرأت فرقة كما في البحر «فيستحي» بكسر الحاء مضارع استحى وهي لغة بني تميم والمحذوف إما عين الكلمة فوزنه يستفل أو لامها فوزنه يستفع ، وفي الكشاف قرئ «لا يستحي» بياء واحدة وأظن أن القراءة بياء واحدة في الفعل في الموضعين ، هذا والظاهر حرمة اللبث على المدعو إلى طعام بعد أن يطعم إذا كان في ذلك أذى لرب البيت وليس ما ذكر مختصا بما إذا كان اللبث في بيت النبي عليه الصلاة والسلام ، ومن هنا كان الثقيل مذموما عند الناس قبيح الفعل عند الأكياس.
وعن ابن عباس وعائشة رضي الله تعالى عنهما حسبك في الثقلاء أن الله عزوجل لم يحتملهم وعندي كالثقيل المذكور من يدعى في وقت معين مع جماعة فيتأخر عن ذلك الوقت من غير عذر كثير شرعي بل لمحض أن ينتظر ويظهر بين الحاضرين مزيد جلالته وأن صاحب البيت لا يسعه تقديم الطعام للحاضرين قبل حضوره مخافة منه أو احتراما له أو لنحو ذلك فيتأذى لذلك الحاضرون أو صاحب البيت ، وقد رأينا من هذا الصنف كثيرا نسأل الله تعالى العافية إن فضله سبحانه كان كبيرا (وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَ) الضمير لنساء النبي صلىاللهعليهوسلم المدلول عليهن بذكر بيوته عليه الصلاة والسلام أي وإذا طلبتم منهن (مَتاعاً) أي شيئا يتمتع به من الماعون وغيره (فَسْئَلُوهُنَ) فاطلبوا منهن ذلك (مِنْ وَراءِ حِجابٍ) أي ستر.
أخرج البخاري وابن جرير وابن مردويه عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فأنزل الله تعالى آية الحجاب وكان رضي الله تعالى عنه حريصا على حجابهن وما ذاك إلا حبا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم.
أخرج ابن جرير عن عائشة أن أزواج النبي عليه الصلاة والسلام كن يخرجن بالليل إذ برزن إلى المناصع وهو صعيد أفيح وكان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يقول للنبي صلىاللهعليهوسلم : احجب نساءك فلم يكن رسول الله صلىاللهعليهوسلم يفعل فخرجت سودة بنت زمعة رضي الله تعالى عنها ليلة من الليالي عشاء وكانت امرأة طويلة فناداها عمر رضي الله