مطلقا وإلا فيحرم ، وقال القهستاني : منع النظر من الشابة في زماننا ولو بلا شهوة وأما حكم أمة الغير ولو مدبرة أو أم ولد فكحكم المحرم فيحل النظر إلى رأسها ووجهها وساقها وصدرها وعضدها إن أمن شهوته وشهوتها. وظاهر الآية لا يساعد على ما ذكر في الحرائر فلعلها محمولة على طلب تستر تمتاز به الحرائر عن الإماء أو العفائف مطلقا عن غيرهن فتأمل ، و (يُدْنِينَ) يحتمل أن يكون مقول القول وهو خبر بمعنى الأمر وأن يكون جواب الأمر على حد (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ) [إبراهيم : ٣١] وفي الآية رد على من زعم من الشيعة أنه عليه الصلاة والسّلام لم يكن له من البنات إلا فاطمة صلّى الله تعالى على أبيها وعليها وسلم وأما رقية وأم كلثوم فربيبتاه عليه الصلاة والسّلام (ذلِكَ) أي ما ذكر من الإدناء والتستر (أَدْنى) أي أقرب (أَنْ يُعْرَفْنَ) أي يميزن عن الإماء اللاتي هن مواقع تعرضهم وإيذاءهم. ويجوز إبقاء المعرفة على معناها أي أدنى أن يعرفن أنهن حرائر (فَلا يُؤْذَيْنَ) من جهة أهل الريبة بالتعرض لهن بناء عن أنهن إماء.
وقال أبو حيان : أي ذلك أولى أن يعرفن لتسترهن بالعفة فلا يتعرض لهن ولا يلقين بما يكرهن لأن المرأة إذا كانت في غاية التستر والانضمام لم يقدم عليها بخلاف المتبرجة فإنها مطموع فيها ، وهو تفسير مبني على رأيه في النساء ، وأيا ما كان فقد قال السبكي في طبقاته : إن أحمد بن عيسى من فقهاء الشافعية استنبط من هذه الآية أن ما يفعله العلماء والسادات من تغيير لباسهم وعمائمهم أمر حسن وإن لم يفعله السلف لأن فيه تمييزا لهم حتى يعرفوا فيعمل بأقوالهم وهو استنباط لطيف (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) كثير المغفرة فيغفر سبحانه ما عسى يصدر من الإخلال بالتستر ، وقيل : يغفر ما سلف منهن من التفريط. وتعقب بأنه إن أريد التفريط في أمر التستر قبل نزول الآية فلا ذنب قبل الورود في الشرع وإن أريد التفريط في غير ذلك ليكون وكان الله كثير المغفرة فيغفر ما سلف من ذنوبهن وارتكابهن ما نهى عنه مطلقا فهو غير مناسب للمقام ، وجوز أن يراد التفريط في أمر التستر والأمر به معلوم من آية الحجاب التزاما وهو كما ترى (رَحِيماً) كثير الرحمة فيثيب من امتثل أمره منهن بما هو سبحانه أهله ، وقيل : رحيما بهن بعد التوبة عن الإخلال بالتستر بعد نزول الآية ، وقيل : رحيما بعباده حيث راعى سبحانه في مصالحهم أمثال هذه الجزئيات.
(لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ) عما هم عليه من النفاق وأحكامه الموجبة للإيذاء (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) وهم قوم كان فيهم ضعف إيمان وقلة ثبات عليه عما هم عليه من التزلزل وما يستتبعه مما لا خير فيه (وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ) من اليهود المجاورين لها عما هم عليه من نشر أخبار السوء عن سرايا المسلمين وغير ذلك من الأراجيف الملفقة المستتبعة للأذية ، وأصل الإرجاف التحريك من الرجفة التي هي الزلزلة وصفت به الأخبار الكاذبة لكونها في نفسها متزلزلة غير ثابتة أو لتزلزل قلوب المؤمنين واضطرابها منها ، والتغاير بينه المتعاطفات على ما ذكرنا بالذات وهو الذي يقتضيه ظاهر العطف.
وأخرج ابن المنذر وغيره عن مالك بن دينار قال : سألت عكرمة عن الذين في قلوبهم مرض فقال : هم أصحاب الفواحش ، وعن عطاء أنه فسرهم بذلك أيضا ، وفي رواية أخرى عنه أنه قال هم قوم مؤمنون كان في أنفسهم أن يزنوا فالمرض حب الزنا ، وإذا فسر المرجفون على ذلك بما سمعت يكون التغاير بين المتعاطفات بالذات أيضا.
وأخرج ابن سعد عن محمد بن كعب أن الذين في قلوبهم مرض هم المنافقون وهو المعروف في وصفهم.
وأخرج هو أيضا عن عبيد بن حنين أن الذين في قلوبهم مرض والمرجفون جميعا هم المنافقون فيكون العطف مع الاتحاد بالذات لتغاير الصفات على حد :
هو الملك القرم وابن الهمام