ولعل ابن شنبوذ ممن يرى صحة القراءة بها مطلقا ، ويحتمل مثل ذلك في ابن خالويه وإلا فقد قال الطيبي قال صاحب الروضة : وتصح بالقراءة الشاذة إن لم يكن فيها تغيير معنى ولا زيادة حرف ولا نقصان ، وهاهنا بين المعنيين بون كما يشير إليه كلام الزمخشري ونحوه عن ابن جني (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) في كل ما تأتون وتذرون لا سيما في ارتكاب ما يكرهه تعالى فضلا عما يؤذي رسوله وحبيبه صلىاللهعليهوسلم (وَقُولُوا) في كل شأن من الشئون (قَوْلاً سَدِيداً) قاصدا ومتوجها إلى هدف الحق من سد يسد بكسر السين سدادا بفتحها يقال سدد سهمه إذا وجهه للغرض المرمي ولم يعدل به عن سمته ، والمراد على ما قيل نهيهم عن ضد هذا القول وهو القول الذي ليس بسديد ويدخل فيه ما صدر منهم في قصة زينب من القول الجائر عن العدل والقصد وكذا كل قول يؤذيه عليه الصلاة والسّلام ، وعن مقاتل. وقتادة أن المعنى وقولوا قولا سديدا في شأن الرسول عليه الصلاة والسّلام وزيد وزينب ، وعن ابن عباس وعكرمة تخصيص القول السديد بلا إله إلا الله ، وقيل : هو ما يوافق ظاهره باطنه ، وقيل : ما فيه إصلاح ، ولعل ما أشرنا إليه هو الأولى (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ) بالقبول والإثابة عليها على ما روي عن ابن عباس ومقاتل ، وقيل إصلاح الأعمال التوفيق في المجيء بها صالحة مرضية.
(وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) ويجعلها مكفرة باستقامتكم في القول والعلم (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ) في الأوامر والنواهي التي من جملتها ما تضمنته هذه الآيات (فَقَدْ فازَ) في الدارين (فَوْزاً عَظِيماً) لا يقادر قدره ولا تبلغ غايته.
قال في الكشاف وهذه الآية يعني (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) إلى آخرها مقررة للتي قبلها بنيت تلك على النهي عما يؤذي رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهذه على الأمر باتقاء الله تعالى في حفظ اللسان ليترادف عليهم النهي والأمر مع اتباع النهي ما يتضمن الوعيد من قصة موسى عليهالسلام لأن وصفه بوجاهته عند الله تعالى متضمن أنه تعالى انتقم له ممن آذاه واتباع الأمر الوعد البليغ فيقوي الصارف عن الأذى والداعي إلى تركه انتهى فلا تغفل.
(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها) لما بين جل شأنه عظم شأن طاعة الله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوسلم ببيان مآل الخارجين عنها من العذاب الأليم ومنال المراعين لها من الفوز العظيم عقب ذلك عظم شأن ما يوجبها من التكاليف الشرعية وصعوبة أمرها بطريق التمثيل مع الإيذان بأن ما صدر عنهم من الطاعة وتركها صدر عنهم بعد القبول والالتزام من غير جبر هناك ولا إبرام ، وعبر عنها بالأمانة وهي في الأصل مصدر كالأمن والأمان تنبيها على أنها حقوق مرعية أودعها الله تعالى المكلفين وائتمنهم عليها وأوجب عليهم تلقيها بحسن الطاعة والانقياد وأمرهم بمراعاتها والمحافظة عليها وأدائها من غير إخلال بشيء من حقوقها ، وعبر عن اعتبارها بالنسبة إلى استعداد ما ذكر من السماوات وغيرها من حيث الخصوصيات بالعرض عليهن لإظهار مزيد الاعتناء بأمرها والرغبة في قبولهن لها ، وعن عدم استعدادهن لقبولها ومنافاتها لما هن عليه بالإباء والإشفاق منها لتهويل أمرها وتربية فخامتها وعن قبولها بالحمل لتحقيق معنى الصعوبة المعتبرة فيها بجعلها من قبيل الأجسام الثقيلة ، والمعنى أن تلك الأمانة في عظم الشأن بحيث لو كلفت هاتيك الأجرام العظام التي هي مثل في القوة والشدة مراعاتها وكانت ذات شعور وإدراك لأبين قبولها وخفن منها لكن صرف الكلام عن سننه بتصوير المفروض بصورة المحقق لزيادة تحقيق المعنى المقصود وتوضيحه.
(وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) أي هذا الجنس نحو : (إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) [العاديات : ٦] و (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى) [العلق : ٦] وحمله إياها إما باعتبارها بالإضافة إلى استعداده أو بتكليفه إياها يوم الميثاق أي تكلفها والتزمها