يعني أن الخارجين من بطحاء مكة ويقال للساكنين خارج البلد أهل الضواحي وأهل البوادي أيضا.
(وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ) أي جعلنا نسبة بعضها إلى بعض على مقدار معين من السير قيل من سار من قرية صباحا وصل إلى أخرى وقت الظهيرة والقيلولة ومن سار بعد الظهر وصل إلى أخرى عند الغروب فلا يحتاج لحمل زاد ولا مبيت في أرض خالية ولا يخاف من عدو ونحوه ، وقيل : كان بين كل قريتين ميل ، وقال الضحاك : مقادير المراحل كانت القرى على مقاديرها وهذا هو إلا وفق بمعنى (ظاهِرَةً) على ما سمعت عن قتادة وكذا بقوله سبحانه (سِيرُوا فِيها) فإنه مؤذن بشدة القرب حتى كأنهم لم يخرجوا من نفس القرى ، والظاهر أن (سِيرُوا) أمر منه عزوجل على لسان نبي أو نحوه وهو بتقدير القول أي قلنا لهم سيروا في تلك القرى (لَيالِيَ وَأَيَّاماً) أي متى شئتم من ليل ونهار (آمِنِينَ) من كل ما تكرهونه لا يختلف إلا من فيها باختلاف الأوقات ، وقدم الليالي لأنها مظنة الخوف من مغتال وإن قيل الليل أخفى للويل أو لأنها سابقة على الأيام أو قلنا سيروا فيها آمنين وإن تطاولت مدة سفركم وامتدت ليالي وأياما كثيرة ، قال قتادة : كانوا يسيرون مسيرة أربعة أشهر في أمان ولو وجد الرجل قاتل أبيه لم يهجه أو سيروا فيها لياليكم وأيامكم أي مدة أعماركم لا تلقون فيها إلا الأمن ، وقدمت الليالي لسبقها.
وأيا ما كان فقد علم فائدة ذكر الليالي والأيام وإن كان السير لا يخلو عنهما ، وجوز أن لا يكون هناك قول حقيقة وإنما نزل تمكينهم من السير المذكور وتسوية مبادئه وأسبابه منزلة القول لهم وأمرهم بذلك والأمر على الوجهين للإباحة.
(فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا) لما طالت بهم مدة النعمة بطروا وملوا وآثروا الذي هو أدنى على الذي هو خير كما فعل بنو إسرائيل وقالوا : لو كانت متاجرنا أبعد كان ما نجلبه منها أشهى وأغلى فطلبوا تبديل اتصال العمران وفصل المفاوز والقفار وفي ضمن ذلك إظهار القادرين منهم على قطعها بركوب الرواحل وتزود الأزواد الفخر والكبر على الفقراء العاجزين عن ذلك فعجل الله تعالى لهم الإجابة بتخريب القرى المتوسطة وجعلها بلقعا لا يسمع فيها داع ولا مجيب ، والظاهر أنهم قالوا ذلك بلسان القال ، وجوز الإمام أن يكونوا قالوا : (باعِدْ) بلسان الحال أي فلما كفروا فقد طلبوا أن يبعد بين أسفارهم ويخرب المعمور من ديارهم.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وهشام «بعّد» بتشديد العين فعل طلب ، وابن عباس وابن الحنفية وعمرو بن قائد «ربنا» رفعا «بعّد» بالتشديد فعلا ماضيا ، وابن عباس. وابن الحنفية أيضا وأبو رجاء : والحسن ويعقوب وزيد بن علي وأبو صالح ، وابن أبي ليلى والكلبي ومحمد بن علي وسلام وأبو حيوة «ربّنا» رفعا و«باعد» طلبا من المفاعلة ، وابن الحنفية أيضا وسعيد بن أبي الحسن أخو الحسن وسفيان بن حسين وابن السميقع «ربّنا» بالنصب «بعد» بضم العين فعلا ماضيا «بين» بالنصب إلا سعيدا منهم فإنه يضم النون ويجعل «بين» فاعلا ، ومن نصب فالفاعل عنده ضمير يعود على «السير» ومن نصب «ربنا» جعله منادى فإن جاء بعده طلب كان ذلك أشرا وبطرا.
وفاعل بمعنى فعل وإن جاء فعلا ماضيا كان ذلك شكوى من مسافة ما بين قراهم مع قصرها لتجاوزهم في الترفه والتنعم أو شكوى مما حل بهم من بعد الأسفار التي طلبوها بعد وقوعها أو دعاء بلفظ الخبر ، ومن رفع «ربنا» فلا يكون الفعل عنده إلا ماضيا والجملة خبرية متضمنة للشكوى على ما قيل ، ونصب «بين» بعد كل فعل متعد في إحدى القراءات ماضيا كان أو طلبا عند أبي حيان على أنه مفعول به ، وأيد ذلك بقراءة الرفع أو على الظرفية والفعل منزل منزلة اللازم أو متعد مفعوله محذوف أي السير وهو أسهل من إخراج الظرف الغير المتصرف عن ظرفيته. وقرئ «بوعد» مبنيا للمفعول. وقرأ ابن يعمر «سفرنا» بالأفراد (وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) حيث عرضوها للسخط والعذاب حين بطروا النعمة