التوكيد صفة وعطف البيان صفة ، ثم إن كون المصدر المسبوك معرفة أو مؤولا بها دائما غير مسلم ، والقيام مجاز عن الجد والاجتهاد ، وقيل هو على حقيقته والمراد القيام عن مجلس رسول الله صلىاللهعليهوسلم وليس بذاك ، وقد روي نفي إرادته عن ابن جريج أي إن تجدوا وتجتهدوا في الأمر بإخلاص لوجه الله تعالى (مَثْنى وَفُرادى) أي متفرقين اثنين اثنين وواحدا واحدا فإن في الازدحام على الأغلب تهويش الخاطر والمنع من الفكر وتخليط الكلام وقلة الإنصاف كما هو مشاهد في الدروس التي يجتمع فيها الجماعة فإنه لا يكاد يوقف فيها على تحقيق وفي تقديم مثنى إيذان بأنه أوثق وأقرب إلى الاطمئنان ، وفي البحر قدم لأن طلب الحقائق من متعاضدين في النظر أجدى من فكرة واحدة فإذا انقدح الحق بين الاثنين فكر كل واحد منهما بعد ذلك فيزيد بصيرة وشاع الفتح بين الاثنين (ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا) في أمره صلىاللهعليهوسلم وما جاء به لتعلموا حقيته ، والوقف عند أبي حاتم هنا ، وقوله تعالى (ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ) استئناف مسوق من جهته تعالى للتنبيه على طريقة النظر والتأمل بأن مثل هذا الأمر العظيم الذي تحته ملك الدنيا والآخرة لا يتصدى لادعائه إلا مجنون لا يبالي بافتضاحه عند مطالبته بالبرهان وظهور عجزه أو مؤيد من عند الله تعالى مرشح للنبوة واثق بحجته وبرهانه وإذ قد علمتم أنه عليه الصلاة والسلام أرجح الناس عقلا وأصدقهم قولا وأذكاهم نفسا وأفضلهم علما وأحسنهم عملا وأجمعهم للكمالات البشرية وجب أن تصدقوه في دعواه فكيف وقد انضم إلى ذلك معجزات تخر لها صم الجبال ، والتعبير عنه عليه الصلاة والسلام بصاحبكم للإيماء إلى أن حاله صلىاللهعليهوسلم مشهور بينهم لأنه نشأ بين أظهرهم معروفا بما ذكرنا ، وجوز أن يكون متعلقا بما قبله والوقف على (جِنَّةٍ) على أنه مفعول لفعل علم مقدر لدلالة التفكر عليه لكونه طريق العلم أي ثم تتفكروا فتعلموا ما بصاحبكم من جنة أو معمول لتتفكروا على أن التفكر مجاز عن العلم أو معمول له بدون ارتكاب تجوز بناء على ما ذهب إليه ابن مالك في التسهيل من أن تفكر يعلق حملا على أفعال القلوب ، وجوز أن يكون هناك تضمين أي ثم تتفكروا عالمين ما بصاحبكم من جنة ، وقال ابن عطية : هو عند سيبويه جواب ما ينزل منزلة القسم لأن تفكر من الأفعال التي تعطي التمييز كتبين وتكون الفكرة على هذا في آيات الله تعالى والإيمان به ا ه وهو كما ترى ، و (ما) مطلقا نافية والباء بمعنى في ومن صلة ، وقيل : ما للاستفهام الإنكاري ومن بيانية ، وجوز أن تكون صلة أيضا وفيه تطويل المسافة وطيها أولى (إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ) هو عذاب الآخرة فإنه صلىاللهعليهوسلم مبعوث في نسم الساعة وجاء «بعثت أنا والساعة كهاتين» وضم عليه الصلاة والسلام الوسطى والسبابة على المشهور.
(قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ) أي مهما سألتكم من نفع على تبليغ الرسالة (فَهُوَ لَكُمْ) والمراد نفي السؤال رأسا كقولك لصاحبك إن أعطيتني شيئا فخذه وأنت تعلم أنه لم يعطك شيئا ، فما شرطية مفعول (سَأَلْتُكُمْ) وهو المروي عن قتادة ، وقيل هي موصولة والعائد محذوف ومن للبيان ، ودخلت الفاء في الخبر لتضمنها معنى الشرط أي الذي سألتكموه من الأجر فهو لكم وثمرته تعود إليكم ، وهو على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إشارة إلى المودة في القربى في قوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) [الشورى : ٢٣] وكون ذلك لهم على القول بأن المراد بالقربى قرباهم ظاهر ، وأما على القول بأن المراد بها قرباه عليه الصلاة والسلام فلأن قرباه صلىاللهعليهوسلم قرباهم أيضا أو هو إشارة إلى ذلك وإلى ما تضمنه قوله تعالى: (ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) [الفرقان : ٥٧] وظاهر أن اتخاذ السبيل إليه تعالى منفعتهم الكبرى ، وجوز كون ما نافية ومن صلة وقوله سبحانه : (فَهُوَ لَكُمْ) جواب شرط مقدر أي فإذا لم أسألكم فهو لكم ، وهو خلاف الظاهر.
وقوله تعالى : (إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ) يؤيد إرادة نفي السؤال رأسا. وقرئ «إن أجري» بسكون الياء (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) أي مطلع فيعلم سبحانه صدقي وخلوص نيتي (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِ) قال السدي