وينبغي أن لا يقدم على إجازة مثل هذا إلا بسماع من كلامهم ، وفيه أن شرط الزيادة والأعمال موجود ولم يبد مانعا يعول عليه فالتوقف تعنت من غير توقف. وفي الكشف لا مانع من أن يكون (غَيْرُ) خبرا. ومنعه الشهاب بأن المعنى ليس عليه ، وقرأ ابن وثاب وشقيق وأبو جعفر وزيد بن علي وحمزة والكسائي غير بالخفض صفة لخالق على اللفظ ، وهذا متعين في هذه القراءة ولأن توافق القراءتين أولى من تخالفهما كان الأظهر في القراءة الأولى كونه وصفا لخالق أيضا ، وقرأ الفضل بن إبراهيم النحوي «غير» بالنصب على الاستثناء ، وقوله تعالى : (يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) بالمطر والنبات كلام مبتدأ لا محل له من الإعراب لا صفة (خالِقٍ) باعتبار لفظه أو محله ، قال في الكشف : لأن المعنى على التقريع والتذكير بما هم معترفون به فكأنه قيل : هل من خالق لتلك النعم التي أمرتم بذكرها أو مطلقا وهو أولى وتدخل دخولا أوليا (غَيْرُ اللهِ) ثم تمم ذلك بأنه يرزقكم من السماء والأرض وذلك أيضا يقتضي اختصاصه تعالى بالعبادة كما أن الخالقية تقتضي ذلك ، وفيه أن الخالق لا يكون إلا رازقا ولو قيل هل من خالق رازق من السماء والأرض غير الله يخرج الكلام عن سننه المقصود.
وجوز أن يكون (خالِقٍ) فاعلا لفعل مضمر يفسره المذكور والأصل هل يرزقكم خالق و (مِنْ) زائدة في الفاعل ، وتعقب بأن ما في النظم الجليل إن كان من باب هل رجل عرف فقد صرح السكاكي بقبح هذا التركيب لأن هل إنما تدخل على الجملة الخبرية فلا بدّ من صحتها قبل دخول هل ورجل عرف لا يصح بدون اعتبار التقديم والتأخير لعدم مصحح الابتدائية سواه وإذا اعتبر التقديم والتأخير كان الكلام مفيدا لحصول التصديق بنفس الفعل فلا يصح دخول هل عليه لأنها لطلب التصديق وما حصل لا يطلب لئلا يلزم تحصيل الحاصل ولاحتمال أن يكون رجل فاعل فعل محذوف قال بالقبح دون الامتناع وإن كان من باب هل زيد عرف فقد صرح العلامة الثاني السعد التفتازاني بأنه قبيح باتفاق النحاة وأن ما ذكره صاحب المفصل من أن نحو هل زيد خرج على تقدير الفعل تصحيح للوجه القبيح البعيد لا أنه شائع حسن غاية ما في الباب أن سبب قبحه ليس ما ذكر في قبح هل زيد عرف عند السكاكي لعدم تأتيه فيه بل السبب أن هل بمعنى قد في الأصل وأصله أهل كقوله:
أهل عرفت الدار بالغرتين
وترك الهمزة قبلها لكثرة وقوعها في الاستفهام فأقيمت هي مقام الهمزة وتطفلت عليها في الاستفهام ، وقد من لوازم الأفعال فكذا ما هي بمعناها ، ولم يقبح دخولها على الجملة الاسمية التي طرفاها اسمان لأنها إذا لم تر الفعل في حيزها تتسلى عنه ذاهلة وهذا بخلاف ما إذا رأته فإنها حينئذ تتذكر عهودا بالحمى وتحن إلى الألف المألوف وتطلب معانقته ولم ترض بافتراق الاسم بينهما ، ويعلم من هذا أنه لا فرق عند النحاة بين هل رجل عرف وهل زيد تعرف في القبح لذلك. وأجاب بعضهم بأن مجوز هذا الوجه الزمخشري ومتابعوه وهو لا يسلم ما ذكر لأن حرف الشرط كان مثلا ألزم للفعل من هل لأنه لا يجوز دخوله على الجملة الاسمية التي طرفاها اسمان كما دخلت عليها هل وقد جاز بلا قبح عمل الفعل بعده على شريطة التفسير كقوله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ) فيجوز في هل بالطريق الأولى ، وقيل : يجوز أن يكون (يَرْزُقُكُمْ) إلخ مستأنفا في جواب سؤال مقدر تقديره أي خالق يسأل عنه ، وأن يكون هو الخبر لخالق ، ولا يخفى على متأمل أن ما نقل عن الكشف قاض بمرجوحية هذه الأوجه جميعها فتأمل. وفي الآية على ما هو الأولى في تفسيرها وإعرابها رد على المعتزلة في قولهم : العبد خالق لأفعاله ونصرة لأهل السنة في قولهم لا خالق إلا الله تعالى : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) استئناف مقرر للنفي المفهوم مما تقدم قصدا ، ولم يجوز جار الله أن يجعل صفة لخالق كما جعل (يَرْزُقُكُمْ) صفة له حيث قال : ولو وصلت جملة (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) كما وصلت