(يَرْزُقُكُمْ) لم يساعد عليه المعنى لأن قولك هل من خالق آخر سوى الله لا إله إلا ذلك الخالق غير مستقيم لأن قولك هل من خالق سوى الله إثبات لله تعالى فلو ذهبت تقول ذلك كنت مناقضا بالنفي بعد الإثبات ا ه ، وبين صاحب الكشف وجه المناقضة على تقدير أن يكون غير الله صفة بأن الكلام مسوق لنفي المشاركة في الصفة المحققة أعني الخلق فقولك هل من خالق آخر سوى الله إثبات لله تعالى ونفي المشارك له فيها ثم وصف الآخر بانحصار الإلهية فيه يكون لنفي خالقيته دون تفرد بالإلهية والتفرد بالإلهية مع مغايرته لله تعالى متناقضان لأن الأول ينفيه تعالى عن ذلك علوا كبيرا والثاني يثبته مع الغير جل عن كل شريك ونقص ، ثم قال : والتحقيق في هذا أن هل لإنكار ما يليها وما تلاه إن كان من تتمته ينسحب عليه حكم الإنكار بالبقية وإلا كان مبقى على حاله نفيا وإثباتا ، ولما كان الكلام في الخالقية على ما مر لم يكن الوصفان أعني تفرد الآخر بالإلهية ومغايرته للقيوم الحق مصبا له وهما متناقضان في أنفسهما على ما بين فيلزم ما ذكره جار الله لزوما بينا ا ه ، وقد دفع بتقريره ذلك كثيرا من القال والقيل بيد أنه لا يخلو عن بحث ، ويمكن تقرير المناقضة على تقدير الوصفية بوجه أظهر لعله لا يخفى على المتأمل ، ويجوز أن يكون المانع من الوصفية النظم المعجز وحاكمه الذوق السليم والكلام في ذلك طويل فتأمل ، والفاء في قوله تعالى : (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) لترتيب إنكار عدولهم عن التوحيد إلى الإشراك على ما قبلها كأنه قيل : وإذا تبين تفرده تعالى بالألوهية والخالقية والرازقية فمن أي وجه تصرفون عن التوحيد إلى الشرك ، وقوله تعالى : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) إلخ تسلية له عليه الصلاة والسّلام بعموم البلية والوعد له صلىاللهعليهوسلم والوعيد لأعدائه ، والمعنى وإن استمروا على أن يكذبوك فيما بلغت إليهم من الحق المبين بعد ما أقمت عليهم الحجة وألقمتهم الحجر فتأس بأولئك الرسل في الصبر فقد كذبهم قومهم وصبروا فجملة قد (كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) قائمة مقام جواب الشرط والجواب في الحقيقة تأس ، وأقيمت تلك الجملة مقامه اكتفاء بذكر السبب عن ذكر المسبب ، وجوز أن تجعل هي الجواب من غير تقدير ويكون المترتب على الشرط الإعلام والإخبار كما في قوله تعالى : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) [النحل : ٥٣] وتنكير رسل للتعظيم والتكثير الموجبين لمزيد التسلية والحث على التأسي والصبر على ما أصابه عليه الصلاة والسّلام من قومه أي رسل أولو شأن خطير وعدد كثير (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) لا إلى غيره عزوجل فيجازي سبحانه كلا منك ومنهم بما يليق به ، وفي الاقتصار على ذكر اختصاص المرجع به تعالى مع إبهام الجزاء ثوابا وعقابا من المبالغة في الوعد والوعيد ما لا يخفى. وقرئ «ترجع» بفتح التاء من الرجوع والأول أدخل في التهويل.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ) المشار إليه بقوله سبحانه : (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) من البعث والجزاء (حَقٌ) ثابت لا محالة من غير خلف (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) بأن يذهلكم التمتع بمتاعها ويلهيكم التلهي بزخارفها عن تدارك ما ينفعكم يوم حلول الميعاد ، والمراد نهيهم عن الاغترار بها وإن توجه النهي صورة إليها نظير قوله تعالى : (لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي) [هود : ٨٩] وقولك لا أرينك هنا (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ) حيث إنه جل شأنه عفو كريم رءوف رحيم (الْغَرُورُ) أي المبالغ في الغرور ، وهو على ما روي عن ابن عباس والحسن ومجاهد الشيطان فالتعريف للعهد ، ويجوز التعميم أي لا يغرنكم كل من شأنه المبالغة في الغرور بأن يمنيكم المغفرة مع الإصرار على المعصية قائلا إن الله يغفر الذنوب جميعا فإن ذلك وإن أمكن لكن تعاطي الذنوب بهذا التوقع من قبيل تناول السم تعويلا على دفع الطبيعة ، وتكرير فعل النهي للمبالغة فيه ولاختلاف الغرورين في الكيفية.
وقرأ أبو حيوة وأبو السمال «الغرور» بالضم على أنه مصدر غره يغره وإن قل في المتعدي أو جمع غار كقعود وسجود مصدرين وجمعين ، وعلى المصدرية الإسناد مجازي (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ) عداوة عامة قديمة لا تكاد