لوجوب وقوعه وسرعة كونه كأنه كان ولأنه تعالى فرغ من كل شيء فهو سبحانه قدر الإرسال في الأوقات المعلومة وإلى المواضع المعينة والتقدير كالإرسال ولما أسند فعل الإثارة إلى الرياح وهي تؤلف في زمان قال سبحانه : (تثير) بلفظ المستقبل ا ه.
وأورد عليه قوله تعالى : في سورة الروم (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً) وفي سورة الأعراف : (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) [الأعراف : ٥٧] حيث جيء في الإرسال فيها بالمضارع فتأمل.
(فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ) قطعة من الأرض لا نبات فيها. وقرئ «ميت» بالتخفيف وهما بمعنى واحد في المشهور وفي كليات أبي البقاء الكفوي الميت بالتخفيف هو الذي مات والميت بالتشديد والمائت هو الذي لم يمت بعد ، وأنشد :
ومن يك ذا روح فذلك ميت |
|
وما الميت إلا من إلى القبر يحمل |
والمعول عليه هو المشهور (فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ) أي بالمطر النزل منه المدلول عليه بالسحاب فإن بينهما تلازما في الذهن كما في الخارج أو بالسحاب فإنه سبب السبب وإحياء الأرض إنبات الشجر والكلأ فيها (بَعْدَ مَوْتِها) يبسها وخلوها عن ذلك ، وإيراد الفعلين بصيغة الماضي للدلالة على التحقيق ، وإسنادهما إلى نون العظمة المنبئ عن الاختصاص به تعالى لما فيهما من مزيد الصنع ولتكميل المماثلة بين إحياء الأرض وبين البعث الذي شبه به بقوله تعالى : (كَذلِكَ النُّشُورُ) في كمال الاختصاص بالقدرة الربانية ، وقال الإمام عليه الرحمة : أسند (أَرْسَلَ) إلى الغائب وساق «وأحيي» إلى المتكلم لأنه في الأول عرف سبحانه نفسه بفعل من الأفعال وهو الإرسال ثم لما عرف قال تعالى : أنا الذي عرفتني سقت السحاب وأحييت الأرض ففي الأول كان تعريفا بالفعل العجيب وفي الثاني كان تذكيرا بالنعمة فإن كمال نعمتي الرياح والسحب بالسوق والإحياء ، وهو كما ترى.
وقال سبحانه : فأحيينا به الأرض دون فأحييناه أي البلد الميت به تعليقا للإحياء بالجنس المعلوم عند كل أحد وهو الأرض ولأن ذلك أوفق بأمر البعث ، وقال تعالى : (بَعْدَ مَوْتِها) مع أن الإحياء مؤذن بذلك لما فيه من الإشارة إلى أن الموت للأرض الذي تعلق بها الإحياء معلوم لهم وبذلك يقوي أمر التشبيه فليتأمل.
والنشور على ما في البحر مصدر نشر الميت إذا حيى قال الأعشى :
حتى يقول الناس مما رأوا |
|
يا عجبا للميت الناشر |
وفي نهاية ابن الأثير يقال نشر لميت ينشر نشورا إذا عاش بعد الموت وانشره الله تعالى أحياه ، وقال الراغب : قيل نشر الله تعالى الميت وأنشره بمعنى والحقيقة أن نشر الله تعالى الميت مستعار من نشر الثوب أي بسطه كما قال الشاعر :
طوتك خطوب دهرك بعد نشر |
|
كذاك خطوبه طيا ونشرا |
والمراد بالنشور هنا إحياء الأموات في يوم الحساب وهو مبتدأ والجار والمجرور قبله في موضع الخبر وقيل الكاف في حيز الرفع على الخبرية أي مثل ذلك الأحياء الذي تشاهدونه إحياء الأموات يوم القيامة في صحة المقدورية وسهولة التأتي من غير تفاوت بينهما أصلا سوى الألف في الأول دون الثاني ، وقال أبو حيان : وقع التشبيه بجهات لما قبلت الأرض الميتة الحياة اللائقة بها كذلك الأعضاء تقبل الحياة أو كما أن الريح تجمع قطع السحاب كذلك يجمع الله تعالى أجزاء الأعضاء وأبعاض الموتى أو كما يسوق سبحانه الحساب إلى البلد الميت يسوق عزوجل الروح والحياة إلى البدن ، وقال بعضهم : التشبيه باعتبار الكيفية.