تحتاج إلى التدريجات في الأطوار إنما يدعوه الله تعالى فيخرج* وأما على معنى أن الإعادة أسهل على المخلوق أي أن يعيدوا شيئا ويفعلوه ثانيا بعد ما زاولوا فعله وعرفوه أولا أسهل من أن يفعلوه أولا قبل المزاولة وإذا كان هذا حال المخلوق فما بالك بالخالق ، ولا يخفى أن الظاهر رجوع الضمير إليه تعالى ، ثم إن الجار والمجرور صلة (أَهْوَنُ) وقدمت الصلة في قوله تعالى : (هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) [مريم : ٩ ، ٢١] وأخرت هنا لأنه قصد هنالك الاختصاص وهو محزه فقيل (هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) وإن كان صعبا عندكم أن يولد بين هم وعاقر وأما هاهنا فلا معنى للاختصاص كيف والأمر مبني على ما يعقلون من أن الإعادة أسهل من الابتداء فلو قدمت الصلة لتغير المعنى ، ولما أخبر سبحانه بأن الإعادة أهون عليه على طريق التمثيل عقب ذلك بقوله تعالى : (وَلَهُ) تعالى شأنه خاصة (الْمَثَلُ) أي الوصف العجيب الشأن كالقدرة العامة والحكمة التامة وسائر صفات الكمال (الْأَعْلى) الذي ليس لغيره ما يدانيه فضلا عما يساويه فكأنه قيل هذا لتفهيم العقول القاصرة إذ صفاته تعالى عجيبة وقدرته جلّ شأنه عامة وحكمته سبحانه تامة فكل شيء بدأ وإعادة وإيجادا وإعداما على حد سواء ولا مثل له تعالى ولا ند ، وعن قتادة ، ومجاهد أن (الْمَثَلُ الْأَعْلى) لا إله إلّا الله ، ولعلهما أرادا بذلك الوحدانية في ذاته تعالى وصفاته سبحانه ، والكلام عليه مرتبط بما قبله أيضا كأنه قيل : ما ذكر لتفهيم العقول القاصرة لأنه تعالى لا يشاركه أحد في ذاته تعالى وصفاته عزوجل ، وقيل : مرتبط بما بعده من قوله تعالى : (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ) وقال الزجاج : المثل قوله تعالى : (هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) قد ضربه الله تعالى مثلا فيما يسهل ويصعب عندكم وينقاس على أصولكم فاللام في المثل للعهد وهو محمول على ظاهره غير مستعار للوصف العجيب الشأن (فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) متعلق بمضمون الجملة المتقدمة على معنى أنه سبحانه قد وصف بذلك وعرف به فيهما على ألسنة الخلائق وألسنة الدلائل ، وقيل : بالأعلى ، وقيل : بمحذوف هو حال منه أو من (الْمَثَلُ) أو من ضميره في (الْأَعْلى) وقيل : متعلق بما تعلق به (لَهُ) أي له في السماوات والأرض المثل الأعلى ، والمراد أن دلالة خلقهما على عظيم القدرة أتم من دلالة الإنشاء فهو أدل على جواز الإعادة ولهذا جعل أعلى من الإنشاء فتأمل (وَهُوَ الْعَزِيزُ) القادر الذي لا يعجز عن بدء ممكن وإعادته (الْحَكِيمُ) الذي يجري الأفعال على سنن الحكمة والمصلحة (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً) يتبين به بطلان الشرك (مِنْ أَنْفُسِكُمْ) أي منتزعا من أحوالها التي هي أقرب الأمور إليكم وأعرفها عندكم وأظهرها دلالة على ما ذكر من بطلان الشرك لكونها بطريق الأولوية ، و (مِنْ) لابتداء الغاية وقوله تعالى : (هَلْ لَكُمْ) إلى آخره تصوير للمثل ، والاستفهام إنكاري بمعنى النفي و (لَكُمْ) خبر مقدم وقوله تعالى : (مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) في موضع الحال من (شُرَكاءَ) بعد لأنه نعت نكرة تقدم عليها ؛ والعامل فيها كان في البحر هو العالم في الجار والمجرور الواقع خبرا و (مِنْ) للتبعيض و (ما) واقعة على النوع ، وقوله تعالى : (مِنْ شُرَكاءَ) مبتدأ و (مِنْ) مزيدة لتأكيد النفي المستفاد من الاستفهام ، وقوله تعالى : (فِي ما رَزَقْناكُمْ) متعلق بشركاء أي هل شركاء فيما رزقناكم من الأموال وما يجري مجراها مما تنصرفون فيه كائنون من النوع الذي ملكته أيمانكم من نوع العبيد والإماء كائنون لكم.
وجوز أن يكون (لَكُمْ) متعلقا بشركاء ويكون (فِي ما رَزَقْناكُمْ) في موضع الخبر كما تقول : لزيد في المدينة مبغض فلزيد متعلق بمبغض الذي هو مبتدأ وفي المدينة الخبر أي هل شركاء لكم كائنون مما ملكته إيمانكم كائنون فيما رزقناكم ، وقوله تعالى : (فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ) جملة في موضع الجواب للاستفهام الإنكاري (وَفِيهِ) متعلق بسواء ، وفي الكلام محذوف معطوف على (أنتم) أي فأنتم وهم أي المماليك مستوون فيه لا فرق بينكم وبينهم في التصرف فيه ، وقيل : لا حذف و(أنتم) شامل للمماليك بطريق التغليب ، وقوله تعالى : (تَخافُونَهُمْ)