خبر آخر لأنتم ، وقال أبو البقاء : حال من ضمير (أنتم) الفاعل في (سَواءٌ) وقوله تعالى : (كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) في موضع الصفة لمصدر محذوف أي تخافونهم أن تستبدوا بالتصرف فيه بدون رأيهم خيفة كائنة مثل خيفتكم من هو من نوعكم يعني الأحرار المساهمين لكم ، والمقصود نفي مضمون ما فصل من الجملة الاستفهامية أي لا ترضون بأن يشارككم فيما رزقناكم من الأموال ونحوها مماليككم وهم أمثالكم في البشرية غير مخلوقين لكم بل لله تعالى فكيف تشركون به سبحانه في المعبودية التي هي من خصائصه تعالى الذاتية مخلوقه سبحانه بل مصنوع مخلوقه جلّ وعلا حيث تصنعونه بأيديكم ثم تعبدونه.
وقرأ ابن أبي عبلة «أنفسكم» بالرفع على أن المصدر مضاف للمفعول و (أَنْفُسِكُمْ) فاعلة ، قال أبو حيان : وهو وجه حسن ولا قبح في إضافة المصدر إلى المفعول مع وجود الفاعل (كَذلِكَ) أي مثل ذلك التفصيل الواضح (نُفَصِّلُ الْآياتِ) أي نبينها ونوضحها لا تفصيلا أدنى منه فإن التمثيل تصوير للمعاني المعقولة بصورة المحسوس وإبراز لأوابد المدركات على هيئة المأنوس فيكون في غاية الإيضاح والبيان.
(لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) أي يستعملون عقولهم في تدبير الأمثال ، وقيل : في تدبير الأمور مطلقا ويدخل في ذلك الأمثال دخولا أوليا ، وخصهم بالذكر مع عموم تفصيل الآيات للكل لأنهم المنتفعون بها ، وذكر العرمة الطيبي أنه لما كان ضرب الأمثال لإدناء المتوهم إلى المعقول وإراءة المتخيل في صورة المحقق ناسب أن تكون الفاصلة (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) وهذه النكتة هنا أظهر منها فيما تقدم فتذكر.
وقرأ عباس عن أبي عمرو «يفصّل» بياء الغيبة رعيا لضرب إذ هو مسند لما يعود للغائب وقراءة الجمهور بالنون للحمل على (رَزَقْناكُمْ) وذكر بعض العلماء أن في هذه الآية دليلا على صحة أصل الشركة بين المخلوقين لافتقار بعضهم إلى بعض كأنه قيل : الممتنع المستقبح شركة العبيد لساداتهم أما شركة السادات بعضهم لبعض فلا تمتنع ولا تستقبح (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) أعراض عن مخاطبتهم ومحاولة إرشادهم إلى الحق بضرب المثل وتفصيل الآيات واستعمال المقدمات الحقة المعقولة وبيان لاستحالة تبعيتهم للحق كأنه قيل : لم يعقلوا شيئا من الآيات المفصلة بل اتبعوا (أَهْواءَهُمْ) الزائغة ، ووضع الموصول موضع ضميرهم للتسجيل عليهم بأنهم في ذلك الاتباع ظالمون واضعون للشيء في غير موضعه أو ظالمون لأنفسهم بتعريضها للعذاب الخالد (بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي جاهلين ببطلان ما أتوا منكبين عليه لا يصرفهم عنه صارف حسبما يصرف العالم إذا اتبع الباطل علمه ببطلانه (فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ) أي خلق فيه الضلال وجعله كاسبا له باختياره (وَما لَهُمْ) أي لمن أضله الله تعالى ، والجمع باعتبار المعنى (مِنْ ناصِرِينَ) يخلصونهم من الضلال ويحفظونهم من تبعاته وآفاته على معنى ليس لواحد منهم ناصر واحد على ما هو المشهور في مقابلة الجمع بالجمع ، و (مَنْ) مزيدة لتأكيد النفي ، والكلام مسوق لتسلية رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم وتوطئة لأمره عليه الصلاة والسلام بقوله سبحانه : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً) قال العلامة الطيبي : إنه تعالى عقيب ما عدد الآيات البينات والشواهد الدالة على الوحدانية ونفي الشرك وإثبات القول بالمعاد وضرب سبحانه المثل وقال سبحانه : (كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) أراد جلّ شأنه أن يسلي حبيبه صلوات الله تعالى وسلامه عليه ويوطنه على اليأس من إيمانهم فأضرب تعالى عن ذلك وقال سبحانه : (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ) وجعل السبب في ذلك أنه عزوجل ما أراد هدايتهم وأنه مختوم على قلوبهم ولذلك رتب عليه قوله تعالى : (فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ) على التقريع والإنكار ثم ذيل سبحانه الكل بقوله تعالى : (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) يعني إذا أراد الله تعالى منهم ذلك فلا مخلص لهم منه ولا أحد ينقذهم لا أنت ولا غيرك فلا تذهب نفسك عليهم حسرات فاهتم بخاصة نفسك ومن