الاعتراضان الآخران فلا ورود لهما أصلا ، فأما الأول فلأن من يقول أنيسيان على خلاف القياس وهو الأصح لا يلزمه فيما غير منه أن يقدره كذلك وهو لم يلفظ به حتى يقال له : إنك نطقت بما لم تنطق به العرب بل هو أمر تقديري ، فإذا قال : المقدر مفروض عندي على القياس هل يتوجه عليه السؤال ، وأما الأخير فلأن التصغير في نحو ذلك إنما يمتنع منا وأما من الله تعالى فله سبحانه أن يطلق على نفسه عزوجل وعظماء خلقه ما أراد ويحمل حينئذ على ما يليق كالتعظيم والتحبيب ونحوه من معاني التصغير كما قال ابن الفارض :
ما قلت حبيبي من التحقير |
|
بل يعذب اسم الشيء بالتصغير |
والذي قاله أبو حيان في توجيه ذلك أنهم يقولون إيسان بمعنى إنسان ويجمعون على أياسين فهذا منه ولا يخفى أنه يحتاج إلى إثبات وبعده لا يخفى ما في التخريج عليه ، وقالت فرقة : يا حرف نداء والسين مقامة مقام إنسان انتزع منه حرف فأقيم مقامه ، ونظيره ما جاء في الحديث «كفى بالسيف شا» أي شاهدا ، وأيد بما ذهب إليه ابن عباس في (حم عسق) ونحوه من أنها حروف من جملة أسماء له تعالى وهي رحيم وعليم وسميع وقدير ونحو ذلك. وظاهر كلام بعضهم كابن جبير أن يس بمجموعه اسم من أسمائه عليه الصلاة والسلام وهو ظاهر قول السيد الحميري :
يا نفس لا تمحضي بالود جاهدة |
|
على المودة إلا آل ياسينا |
ولتسميته صلىاللهعليهوسلم بهذين الحرفين الجليلين سر جليل عند الواقفين على أسرار الحروف ، وقد تكلمت ولله تعالى الحمد فيما تعلق بهذه الكلمة الشريفة ثلاثة أيام أشرع كل يوم منها بعد العصر وأختم قبيل المغرب وذلك في مجلس وعظي في المسجد الجامع الداودي واليوم لا أستطيع أن أذكر من ذاك بنت شفة بل لا أتذكر منه إلا رسما هب عليه عاصف الزمان الغشوم فنسفه فحسبي الله عمن سواه فلا رب غيره ولا يرجى إلا خيره.
وقرئ بفتح الياء وإمالتها محضا وبين بين.
وقرأ جمع بسكون النون مدغمة في الواو ، وآخرون بسكونها مظهرة والقراءتان سبعيتان ، وقرأ ابن أبي إسحاق وعيسى بفتح النون ، قال أبو حاتم قياس قول قتادة إنه قسم أن يكون على حد ـ الله لأفعان ـ بالنصب. ويجوز أن يكون مجرورا بإضمار باء القسم وهو ممنوع من الصرف. وقال الزجاج : النصب على تقدير اتل يس وهذا على قول سيبويه أنه اسم للسورة ، وقيل هو مبني والتحريك للجد في الهرب من التقاء الساكنين والفتح للخفة كما في أين ، وسبب البناء غير خفي عليك إذا أحطت خبرا بما قرروا في «الم» أول سورة البقرة. ولا تغفل عما قالوا في النصب بإضمار فعل القسم من أنه لا يسوغ لما فيه من جمع قسمين على مقسم عليه واحد وهو مستكره ، ولا سبيل إلى جعل الواو بعد للعطف لا للقسم لمكان الاختلاف إعرابا.
وقرأ الكلبي بضم النون وخرج على أنه منادى مقصود بناء على أنه بمعنى إنسان أو على أنه خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف ، ويقدر هذه إذا كان اسما للسورة وهذا إن كان اسما للقرآن وهو يطلق على البعض كما يطلق على الكل ، وجعله مبتدأ محذوف الخبر وهو قسم أي يس قسمي نحو أمانة الله لأفعلن بالرفع لا يخفى حاله ، وقيل الضمة فيه ضمة بناء كما في حيث.
وقرأ أبو السمال وابن أبي إسحاق أيضا بكسرها ، وخرج على أنه للجد في الهرب عن الساكنين بما هو الأصلي فتأمل وتذكر (وَالْقُرْآنِ) ابتداء قسم ، وجوز أن يكون عطفا على يس على تقدير كونه مجرورا بإضمار باء القسم لا أنه قسم بعد قسم لما سمعت من كلامهم (الْحَكِيمِ) أي ذي حكمة على أنه صيغة نسبة كلابن وتامر أي متضمن