إياها أو لناطق بالحكمة كالحي على أن يكون من الاستعارة المكنية أو المتصف بالحكمة على أن الإسناد مجازي وحقيقته الإسناد إلى الله تعالى المتكلم به. وفي البحر هو إما فعيل بمعنى مفعل كأعقدت العسل فهو عقيد أي معقد وإما للمبالغة من حاكم (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) جواب للقسم ، والجملة لرد إنكار الكفرة رسالته عليه الصلاة والسلام فقد قالوا : (لَسْتَ مُرْسَلاً) [الرعد : ٤٣] وتقدم ما يشعر بأنهم على جانب عظيم من الإنكار أعني قوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً) [فاطر : ٤٢] استكبارا في الأرض ومكر السيّئ ، وهذه الآية من جملة ما أشير إليه بقوله تعالى في جوابهم عن إنكارهم (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) [الرعد : ٤٣] وتخصيص القرآن بالإقسام به أولا وبوصفه بالحكيم ثانيا تنويه بشأنه على أكمل وجه.
وقوله تعالى : (عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) خبر ثان لأن ، واختاره الزجاج قائلا : إنه الأحسن في العربية أو حل من ضميره عليه الصلاة والسلام المستكن في الجار والمجرور أو الواقع اسم إن بناء على رأي من يجوز الحال من المبتدأ ، وجوز أن يكون متعلقا بالمرسلين وليس المراد به الحال أو الاستقبال أي لمن الذين أرسلوا على صراط مستقيم ، وأن يكون حالا من عائد الموصول المستتر في اسم الفاعل ، أو حالا من نفس (الْمُرْسَلِينَ).
والزمخشري لم يذكر من هذه الأوجه سوى كونه خبرا وكونه صلة للمرسلين ، وأيا ما كان فالمراد بالصراط المستقيم ما يعم العقائد والشرائع الحقة وليس الغرض من الإخبار الإعلام بتمييز من أرسل على صراط مستقيم عن غيره ممن ليس على صفته ليقال إن ذلك حاصل قبله لما أن كل أحد يعلم أن المرسلين لا يكونون إلا على صراط مستقيم بل الغرض الأعلام بأنه موصوف بكذا وأن ما جاء به الموصوف بكذا تفخيما لشأنهما فسلكا في مسلك سلوكا لطريق الاختصار ، وأيضا التنكير في (صِراطٍ) للتفخيم فهو دال على أنه أرسل من بين الصراط المستقيمة على صراط لا يكتنه وصفه وهذا شيء لم يعلم قبل ، ولا يرد أن الطريق المستقيم واحد ليس إلا ألا ترى إلى قوله تعالى : (فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ) لأن لكل نبي شارع منهاجا هو مستقيم وباعتبار الرجوع إلى المرسل تعالى شأنه الكل متحد وباعتبار الاختصاص بالمرسل والشرائع مختلف فصح أنه أرسل من بين الصراط المستقيمة إلخ. وأيضا هو فرض والفرض تعظيم هذا الصراط بأنه لا صراط أقوم منه واقعا أو مفروضا ولا نظر إلى أن هنالك آخر أولا ، وهذا قريب من أسلوب مثلك لا يفعل كذا فافهم ولا تغفل.
وقوله تعالى : (تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) نصب على المدح أو على المصدرية لفعل محذوف أي نزل تنزيل.
وقرأ جمع من السبعة وأبو بكر وأبو جعفر وشيبة والحسن والأعرج والأعمش بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف والمصدر بمعنى المفعول أي هو تنزيل أي منزل العزيز الرحيم ، والضمير للقرآن ويجوز إبقاؤه على أصله يجعله عين التنزيل ، وجوز أن يكون خبر (يس) إن كان المراد بها السورة والجملة القسمية معترضة ، والقسم لتأكيد المقسم عليه والمقسم به اهتماما فلا يقال : إن الكفار ينكرون القرآن فكيف يقسم به لإلزامهم.
وقرأ أبو حيوة واليزيدي والقورصي عن أبي جعفر وشيبة بالخفض على البدلية من (الْقُرْآنِ) أو الصوفية له.
وأيا ما كان ففيه إظهار لفخامة القرآن الإضافية بعد بيان فخامته الذاتية بوصفه بالحكمة ، وفي تخصيص الاسمين الكريمين المعربين عن الغلبة الكاملة والرحمة الفاضلة حث على الإيمان به ترهيبا وترغيبا وإشعارا بأن تنزيله ناشئ عن غاية الرحمة حسبما أشار إليه قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) [الأنبياء : ١٠٧] (لِتُنْذِرَ) متعلق بتنزيل أو بفعله المضمر على الوجه الثاني في إعرابه أي نزل تنزيل العزيز الرحيم لتنذر به أو بما يدل عليه (لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) أي أرسلت أو إنك مرسل لتنذر (قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ) أي لم تنذر آباؤهم على ما روي عن قتادة فما