المسألة الخامسة (١) ـ في هذه الآية دليل على حصر الحيوان [في المعيّن] (٢) بالصفة خلافا لأبى حنيفة حيث يقول : لا يحصر الحيوان بصفة ولا يتعيّن بحلية.
قال ابن عباس : لو أنّ بنى إسرائيل لمّا قيل لهم : اذبحوا بقرة بادروا إلى أىّ بقرة كانت فذبحوها لأجزأ ذلك عنهم وامتثلوا ما طلب ، ولكنهم شدّدوا فشدّد الله عليهم ، فما زالوا يسألون ويوصف لهم حتى تعيّنت. وهذا كلام صحيح ، ودليل مليح ، والله أعلم.
الآية الخامسة عشرة ـ قوله تعالى (٣) : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ ، وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ، وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ ، فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ).
فيها تسع مسائل :
المسألة الأولى ـ ذكر الطبري وغيره [١٥] في قصص هذه الآية أنّ سليمان صلى الله عليه وسلم كانت له امرأة يقال لها : الجرادة ، تكرم عليه ويهواها ، فاختصم أهلها مع قوم ، فكان صغو (٤) سليمان عليه السّلام إلى أن يكون الحكم لأهل الجرادة ، فعوقب ، وكان إذا أراد أن يدخل الخلاء أو يخلو بإحدى نسائه أعطاها خاتمه ، ففعل ذلك يوما فألقى الله تعالى صورته على شيطان ، فجاءها فأخذ الخاتم فلبسه ، ودانت الجنّ والإنس له ، وجاء سليمان عليه السلام بعد ذلك يطلبه ، فقالت : ألم تأخذه؟ فعلم أنه ابتلى ، وعلمت الشياطين أن ذلك لا يدوم لها ؛ فاغتنمت الفرصة فوضعت أوضاعا من السحر والكفر وفنونا من النيرجات (٥) وسطّروها في مهارق (٦) ، وقالوا : هذا ما كتب آصف بن برخيا كاتب نبىّ الله سليمان ، فدفنوها
__________________
(١) في هامش م هنا : مسألة السلم في الحيوان.
(٢) من م.
(٣) الآية الثانية بعد المائة.
(٤) صغوه : ميله.
(٥) في ق : والنيرنجيات. وقد اختلفت الأصول في رسم هذه الكلمة ، والذي في القاموس : النيرنج. قال شارح القاموس : «هكذا في سائر النسخ ، والمنقول عن نص كلام الليث : النيرج بإسقاط النون الثانية». وكذا ورد في اللسان. وهو أخذ كالسحر وليس به ، وإنما هو تشبيه وتلبيس.
(٦) المهرق : الصحيفة البيضاء يكتب فيها ، فارسي معرب ، والجمع المهارق.