قلنا : الآية والمعجزة إنما كانت في إحياء الميت ، فلما صار حيّا كان كلامه كسائر كلام الآدميين (١) كلّهم في القبول والردّ ، وهذا فنّ دقيق من العلم لا يتفطّن له إلا مالك. ولقد حققناه في كتاب المقسط في ذكر المعجزات وشروطها. فإن قيل : فإنما قتله (٢) موسى صلى الله عليه وسلم بالآية.
قلنا : ليس في القرآن أنه إذا أخبر وجب صدقه ، فلما أمرهم بالقسامة معه ، أو صدقه جبريل فقتله موسى بعلمه ، كما قتل النبيّ صلى الله عليه وسلم الحارث بن سويد ، بالمجذر بن ذياد بإخبار جبريل عليه السّلام له بذلك حسبما تقدّم ، وهي مسألة خلاف كبرى قد بيناها في موضعها.
وروى مسلم (٣) وفي الموطّأ (٤) وغيره حديث حويصة ومحيّصة قال فيه : فتكلّم محيّصة فقال : يا رسول الله ، وذكره إلى قوله : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحويصة ومحيّصة ، وعبد الرحمن (٥) : أتحلفون وتستحقّون دم صاحبكم.
وفي مسلم (٦) : يجلف خمسون رجلا منكم على رجل منهم فيدفع إليكم برمّته (٧).
وروى أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قتل رجلا بالقسامة من بنى نصر بن مالك. وقال الدارقطني : نسخة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده صحيحة ، وقد بيّنا ذلك في أصول الفقه ، واستبعد ذلك البخاري والشافعىّ وجماعة من العلماء ، وقالوا : كيف يقبل قوله في الدم وهو لا يقبل قوله في درهم.
وإنما تستحق بالقسامة الدّية ، وقد أحكمنا الجواب والاستدلال في موضعه ، ونشير إليه الآن بوجهين :
أحدهما ـ أنّ السنّة هي التي تمضى وترد لا اعتراض عليها ولا تناقض فيها ، وقد تلونا أحاديثها.
الثاني ـ أنه مع أنّ قوله : لا يقبل في درهم قد قلتم إنّ قتيل المحلة يقسم فيه على الدّية ، وليس هنالك قول لأحد ، وإنما هي حالة محتملة للتأويل والحق والباطل ، إذ يجوز أن يقتله رجل ويجعله عند دار آخر (٨) ؛ بل هذا هو الغالب من أفعالهم ، وباقى النظر في مسائل الخلاف وشرح الحديث مستطر.
__________________
(١) في م : كلام الناس.
(٢) في م : قبله.
(٣) مسلم : ١٢٩٤
(٤) صفحة ٨٧٨ من الموطأ.
(٥) هو عبد الرحمن بن سهل.
(٦ ـ ٧) مسلم : ١٢٩٢ ، برمته : أى جميعه.
(٨) في م : أحد.