المسألة الثالثة ـ قوله تعالى : (وَاتَّبَعُوا) : قيل : يهود زمان سليمان ، وقيل : يهود زماننا ، واللفظ فيهم عامّ ، ولجميعهم محتمل ، وقد كان الكلّ منهم متبعا لهذا الباطل.
المسألة الرابعة ـ قوله تعالى : (ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ).
اختلف الناس في حرف (ما) : فمنهم من قال : إنه نفى ، ومنهم من قال : إنه مفعول ، وهو الصحيح. ولا وجه لقول من يقول : إنه نفى ، لا في نظام الكلام ولا في صحّة المعنى ، ولا يتعلق من كونه مفعولا سياق الكلام بمحال عقلا ولا يمتنع شرعا ، وتقريره (١) : واتبع اليهود ما تلته الشياطين من [١٦] السّحر على ملك سليمان ، أى نسبته إليه وأخبرت به عنه ، كقوله تعالى (٢) : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) ، أى إذا تلا ألقى الشيطان في تلاوته ما لم يلقه النبىّ ، يحاكيه ويلبّس على السامعين به حسبما بينّاه.
وما كفر سليمان قطّ ولا سحر ، ولكنّ الشياطين كفروا بسحرهم ، وأنهم يعلّمونه الناس ؛ ومعتقد الكفر كافر ، وقائله كافر ، ومعلّمه كافر ، ويعلّمون الناس ما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ، وما كان الملكان يعلّمان أحدا حتى يقولا : (إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ ، فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ، وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ ، وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ).
فإن قيل ـ وهي (المسألة الخامسة) : كيف أنزل الله تعالى الباطل والكفر؟
قلنا : كلّ خير أو شر أو طاعة أو معصية أو إيمان أو كفر منزّل من عند الله تعالى ؛ قال النبىّ صلى الله عليه وسلم في الصحيح : ماذا فتح الليلة من الخزائن؟ ماذا أنزل الله تعالى من الفتن؟ أيقظوا صواحب الحجر ، رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة.
فأخبر عليه السّلام عن نزول الفتن على الخلق.
فإن قيل : وكيف نزل الكفر على الملكين وهم يفعلون ما يؤمرون ، ويسبّحون الليل والنهار لا يفترون ، فإنّى يصحّ أن يتكلموا بالكفر ويعلموه؟ وهي :
المسألة السادسة :
__________________
(١) في م : وتقديره.
(٢) سورة الحج ، آية ٥٢