قلنا : هذا الذي أشكل على بعضهم حتى روى عن الحسن أنه قرأ الملكين ـ بكسر الام ، وروى أنه كان ببابل علجان (١) ، وقد بلغ التغافل أو الغفلة ببعضهم حتى قال : إنما هما داود وسليمان.
وتأوّل الآية : (وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) ، أى في أيامهما.
وقوله تعالى : (وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ) ، يعنى الشياطين.
وقد روى المفسرون عن نافع قال : قال لي ابن عمر : أطلعت الحمراء؟ قلت : طلعت. قال : لا مرحبا بها ولا أهلا ، وأراه لعنها. قلت : سبحان الله! نجم مسخّر مطيع تلعنه؟ قال : ما قلت لك إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الملائكة عجّت من معاصى بنى آدم في الأرض ، فقالت : يا رب ، كيف صبرك على بنى آدم في الخطايا والذنوب؟ فأعلمهم الله سبحانه أنهم لو كانوا مكانهم ويحل الشيطان من قلوبهم محلّه من بنى آدم لعملوا بعملهم ، وقد أعطيت بنى آدم عشرا من الشهوات فبها يعصوننى. قالت الملائكة : ربنا لو أعطيتنا تلك الشهوات ، وابتليتنا ، لحكمنا بالعدل وما عصيناك. فأمرهم سبحانه أن يختاروا منهم ملكين من أفضلهم ، فتعرّض لذلك هاروت وماروت وقالا : نحن ننزل ، وأعطنا الشهوات ، وكلّفنا الحكم بالعدل.
فنزلا ببابل ، فكانا يحكمان حتى إذا أمسيا عرّجا إلى مكانهما ، ففتنا بامرأة حاكمت زوجها اسمها بالعربية الزّهرة ، وبالنبطية بيرخت (٢) ، وبالفارسية اقاهيد (٣) ، فقال أحدهما لصاحبه : إنها لتعجبنى. قال له الآخر : لقد أردت أن أقول لك ذلك ، فهل لك في أن تعرض لها؟ قال له الآخر : كيف بعذاب الله. قال : إنا لنرجو رحمة الله. فطلباها في نفسها ، قالت : لا ، حتى تقضيا لي على زوجي ؛ فقضينا لها وقصداها وأرادا مواقعتها ، فقالت لهما : لا أجيبكما لذلك حتى تعلّمانى كلاما أصعد به إلى السماء ، وأنزل به منها ؛ فأخبراها ، فتكلّمت فصعدت إلى السّماء فمسخها الله تعالى كوكبا ، فلما أرادا [١٧] أن يصعدا لم يطيقا فأيقنا بالهلكة ؛ فخيّرا بين عذاب الدنيا والآخرة ، فاختارا عذاب الدنيا ، فعلّقا ببابل فجعلا يكلّمان الناس كلامهما ، وهو السحر.
__________________
(١) العلج : الرجل من كفار العجم.
(٢) في القرطبي (١ ـ ٥١) بيدخت ـ بالدال.
(٣) في القرطبي : ناهيل ، أو ناهيد.