ويقال : كانت الملائكة قبل ذلك يستغفرون للذين آمنوا ، فلما وقعا في الخطيئة استغفروا لمن في الأرض.
قال القاضي : وإنما سقنا هذا الخبر لأنّ العلماء رووه ودوّنوه فخشينا أن يقع لمن يضلّ به. وتحقيق القول فيه أنه لم يصح سنده ، ولكنه جائز كله في العقل لو صحّ في النقل ، وليس بممتنع أن تقع المعصية من الملائكة ، ويوجد منهم خلاف ما كلّفوه ، وتخلق فيهم الشهوات ؛ فإن هذا لا ينكره إلا رجلان : أحدهما جاهل لا يدرى الجائز من المستحيل ، والثاني من شمّ ورد الفلاسفة ، فرآهم يقولون : إن الملائكة روحانيون ، وإنهم لا تركيب فيهم ، وإنما هم بسائط ، وشهوات الطعام والشراب والجماع لا تكون إلا في المركبات من الطبائع الأربع ، وهذا تحكّم في القولين من وجهين :
أحدهما ـ أنهم أخبروا عن الملائكة وكيفيتهم بما لم يعاينوه ، ولا نقل إليهم ، ولا دل دليل العقل عليه.
والثاني ـ أنهم أحالوا على البسيط أن يتركّب ، وذلك عندنا جائز ؛ بل يجوز عندنا بلا خلاف أن يأكل البسيط ويشرب ويطأ ، ولا يوجد من المركب شيء من ذلك. وهذا الذي اطّرد في البسيط من عدم الغذاء ، وفي المركّب من وجود الغذاء عادة إلا أنه غاية القدرة ، وقد مكّنّا القول في ذلك ومهّدناه في الأصول ، وخبر الله تعالى عنهم بأنهم يسبّحون الليل والنهار لا يفترون ، ويفعلون ما يؤمرون ، صدق لا خلاف فيه ، لكنه خبّر عن حالهم ، وهي ما يجوز أن تتغيّر (١) فيكون الخبر عنها بذلك أيضا ، وكل حقّ صدق لا خلاف (٢) فيه.
وقد قال علماؤنا : إنه خبر عامّ يجوز أن يدخله التخصيص ، وهذا صحيح أيضا. وقد روى سنيد في تفسيره أنه دخل إليهما في مغارهما وكلّما ، وتعلّم منهما في زمن الإسلام ، وليس التعلّم منهما الإسماع كلامهما ، وهما إذا تكلّما إنما يقولان : إنما نحن فتنة فلا تكفر ؛ أى لا تجعل ما تسمع منا سببا للكفر ، كما جعل السامرىّ ما اطّلع عليه من أثر (٣) فرس جبريل [سببا] (٤) لاتّخاذ العجل إلها من دون الله.
__________________
(١) في ا : يتعين.
(٢) في م : فيكون الخبر عنها أيضا حق ، وكل صدق.
(٣) في ا : أمر.
(٤) من م.