وفي هذا من العبرة الخشية من سوء العاقبة والخاتمة ، وعدم الثقة بظاهر الحالة ، والخوف من مكر الله تعالى ، فهذا بلعام في الآدميين كهاروت وماروت في الملائكة المقرّبين ، فأنزلوا كل فنّ في مرتبته (١) ، وتحقّقوا مقداره في درجته حسبما رويناه ، ولا تذهلوا عن بعضه فتجهلوا جميعه.
المسألة السابعة ـ قوله تعالى : (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ).
وقد أوردنا في كتاب المشكلين القول في السحر (٢) وحقيقته ومنتهى العمل به على وجه يشفى الغليل ، وبينّا أنّ من أقسامه فعل ما يفرّق به بين المرء وزوجه ، ومنه ما يجمع بين المرء وزوجه ، ويسمى التولة (٣) ، وكلاهما (٤) كفر ، والكلّ حرام ، كفر. قاله مالك. وقال الشافعى : السحر معصية إن قتل بها الساحر قتل ، وإن أضرّ بها أدّب على قدر الضرر.
وهذا باطل من وجهين :
أحدهما ـ أنه لم يعلم السحر ، وحقيقته أنه كلام مؤلّف يعظّم به غير الله تعالى ، وتنسب إليه فيه المقادير والكائنات.
والثاني ـ أن الله سبحانه قد صرّح في كتابه [١٨] بأنه كفر ، لأنه تعالى قال : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) ـ من السحر ، وما كفر سليمان بقول السحر ، ولكن الشياطين كفروا به وبتعليمه ، وهاروت وماروت يقولان : إنما نحن فتنة فلا تكفر ، وهذا تأكيد للبيان.
المسألة الثامنة ـ قوله تعالى : (وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ).
يعنى بحكمه وقضائه لا بأمره ؛ لأن الله تعالى لا يأمر بالفحشاء ، ويقضى على الخلق بها ، وقد مهدنا ذلك في موضعه.
المسألة التاسعة ـ قوله تعالى : (وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ).
هم يعتقدون أنه نفع لما يتعجّلون به من بلوغ الغرض ، وحقيقته مضرّة ، لما فيه من عظيم
__________________
(١) في م : في منزلته.
(٢) هنا في هامش م : مسألة عمل السحر ، وهل هو كفر أم لا.
(٣) التولة : ضرب من الحرز يوضع للسحر فتحبب بها المرأة إلى زوجها. وقيل هي معاذة تعلق على الإنسان. قال الخليل : التولة ـ بكسر التاء وضمها : شبيهة بالسحر. قال ابن الأثير : التولة ـ بكسر التاء وفتح الواو : ما يحبب المرأة إلى زوجها من السحر وغيره.
(٤) في م : وكلها.