فيها ست مسائل :
المسألة الأولى ـ قوله تعالى : (وَآتُوا) معناه وأعطوا ، أى مكّنوهم منها ، واجعلوها في أيديهم ، وذلك لوجهين :
أحدهما ـ إجراء الطعام والكسوة ؛ إذ لا يمكن إلا ذلك لمن لا يستحقّ الأخذ الكلّى والاستبداد.
الثاني ـ رفع اليد عنها بالكلية ، وذلك عند الابتلاء والإرشاد.
المسألة الثانية ـ قوله : (الْيَتامى).
وهو عند العرب اسم لكلّ من لا أب له من الآدميين حتى يبلغ الحلم ، فإذا بلغه خرج عن هذا الاسم ، وصار في جملة الرجال.
وحقيقة اليتم الانفراد ؛ فإن رشد عند البلوغ واستقلّ بنفسه في النظر لها ، والمعرفة بمصالحها ، والنظر بوجوه الأخذ والإعطاء منها زال عنه اسم اليتم ومعناه من الحجر ، وإن بلغ الحلم وهو مستمرّ في غرارته وسفهه متماد على جهالته زال عنه اسم اليتم حقيقة ، وبقي عليه حكم الحجر ، وتمادى عليه الاسم مجازا لبقاء الحكم عليه.
المسألة الثالثة ـ قوله تعالى : (وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ).
كانوا في الجاهلية لعدم الدّين لا يتحرّجون عن أموال اليتامى ، فيأخذون أموال اليتامى ويبدّلونها بأموالهم ، ويقولون : اسم باسم ورأس برأس ، مثل أن يكون لليتيم مائة شاة جياد فيبدلونها بمائة شاة هزلى لهم ، ويقولون : مائة بمائة ؛ فنهاهم الله عنها.
المسألة الرابعة ـ قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) :
قال علماؤنا : معنى تأكلوا تجمعوا وتضمّوا أموالهم إلى أموالكم ، ولأجل ذلك قال بعض الناس : معناه مع أموالكم.
والمعنى الذي يسلم معه اللفظ ما قلنا : نهوا أن يعتقدوا أنّ أموال اليتامى كأموالهم ويتسلّطون عليها بالأكل والانتفاع.
المسألة الخامسة ـ روى أنّ هذه الآية لما نزلت اعتزل كلّ ولىّ يتيمه ، وأزال ملكه عن ملكه حتى آلت الحال أن يصنع لليتيم معاشه فيأكله ، فإن بقي له شيء فسد ولم يقربه