وقال المغيرة (١) والشافعى : لا يجزئه ؛ لأن القبلة شرط من شروط الصلاة ، فلا ينتصب الخطأ عذرا في تركها ، كالماء الطاهر والوقت.
وما قاله مالك أصحّ ، لأن جهة القبلة تبيح الضرورة تركها في المسابقة (٢) ، وتبيحها أيضا الرّخصة حالة السفر ، فكانت حالة عذر أشبه بها ؛ لأن الماء الطاهر لا يبيح تركه إلى الماء النجس ضرورة فلا يبيحه خطأ.
المسألة الثانية ـ معنى قوله تعالى : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ).
أى ذلك له ملك وخلق لجواز الصلاة إليه وإضافته إليه تشريفا وتخصيصا.
المسألة الثالثة ـ قوله تعالى : (فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ).
قيل : معناه فثمّ الله ، وهذا يدلّ على نفى الجهة والمكان عنه تعالى ، لاستحالة ذلك عليه ، وأنه في كل مكان بعلمه وقدرته.
وقيل : معناه فثمّ قبلة الله ، ويكون الوجه اسما للتوجّه.
وتحقيق القول فيه : أن الله تعالى أمر بالصلاة عباده ، وفرض فيها الخشوع [٢٠] استكمالا للعبادة ، وألزم الجوارح السكون ، واللسان الصّمت إلا عن ذكر الله تعالى ، ونصب البدن إلى جهة واحدة ، ليكون ذلك أنفى للحركات ، وأقعد للخواطر ، وعيّنت له جهة الكعبة تشريفا له.
وقيل له : إن الله سبحانه قبل وجهك ، معناه أنك قصدت التوجّه إلى الله تعالى ، وقد عيّن لك هذا الصّوب (٣) ، فهنالك تجد ثوابك ، وتحمد إيابك.
المسألة الرابعة ـ في تنزيل الآية على الأقوال المتقدمة :
لا يخفى أن عموم الآية يقتضى بمطلقه جواز التوجّه إلى جهتي المشرق والمغرب بكل حال ، لكنّ الله سبحانه خصّ من ذلك جواز التوجّه إلى جهة بيت المقدس في وقت ، وإلى جهة الكعبة في حال الاختيار في الفرض والحضر فيها أيضا ، وبقيت على النافلة في السفر ؛ وقد تقدّم بيان ذلك في القسم الثاني من الناسخ والمنسوخ.
__________________
(١) في ا : المعتزلة.
(٢) المسايفة : المضاربة بالسيف. وفي م : المسابقة.
(٣) الصوب : القصد.