بما أنعم به علينا من تفضيله لنا باسم العدالة ، وتوليته خطّة الشهادة على جميع الخليفة ، فجعلنا أولا مكانا وإن كنّا آخرا زمانا ، كما قال النبىّ صلى الله عليه وسلم : نحن الآخرون السابقون. وهذا دليل على أنه لا يشهد إلا العدول (١) ، ولا ينفذ على الغير قول الغير إلا أن يكون عدلا ، وذلك فيما يأتى بعد إن شاء الله تعالى.
الآية الرابعة والعشرون ـ قوله تعالى (٢) : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ).
اتفق العلماء على أنها نزلت فيمن مات وهو يصلّى إلى بيت المقدس ، واختلفوا في تأويلها ؛ فمنهم من قال : وما كان الله ليضيع إيمانكم بالتوجّه إلى القبلة وتصديقكم [٢٥] لنبيكم ، قاله محمد بن إسحاق ، وتابعه عليه معظم المتكلمين (٣) ، والأصوليون.
وقد روى ابن وهب وابن القاسم وابن عبد الحكم وأشهب عن مالك ـ أن المراد به صلاتكم ، زاد أشهب ، وابن عبد الحكم : قال مالك : أقام الناس يصلّون نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا ؛ ثم أمروا بالبيت ، فقال الله سبحانه وتعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) ؛ أى في صلاتكم إلى البيت المقدس.
قال : وإنى لأذكره بهذه الآية قول المرجئة : إن الصلاة ليست من الإيمان.
فإن قيل : فإن كانت الصلاة من الإيمان فلم قال مالك : إنّ تاركها غير كافر. وهذا تناقض ، فحقّقوا وجه التقصي عنه (٤).
فالجواب إنّا وإن قلنا إن الصلاة من الإيمان لم يبعد ذلك تسمية ، وقد جاء ذلك في القرآن ؛ قال الله تعالى (٥) : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) ... إلى قوله تعالى : (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) ... إلى قوله تعالى : (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ).
وكذلك لا يبعد أن يسمّى تاركها كافرا. قال النبىّ صلى الله عليه وسلم : بين (٦) العبد وبين الكفر ترك الصلاة.
وقد قال علماؤنا الأصوليون : في ذلك وجهان :
__________________
(١) في م هنا : مسألة العدالة شرط في الشهادة.
(٢) الآية الثالثة والأربعون بعد المائة. وفي م هنا تقديم وتأخير لعله من الناسخ
(٣) في ا : المسلمين.
(٤) في م : التفضى.
(٥) سورة الأنفال ، آية ٢ ، ٣ ، ٤
(٦) في صحيح مسلم.
(٨٨) : بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة.