عن النبي صلى الله عليه وسلم واسندنا لكم أنه قال : قال الله تعالى : يا بن آدم ، أنزلت عليك سبعا ، ثلاثا لي ، وثلاثا لك ، وواحدة بيني وبينك ؛ فأما الثلاث التي لي ف (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ). وأما الثلاث التي (١) لك ف (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ. غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ). وأما الواحدة التي بيني وبينك ف (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ). يعنى من العبد العبادة ، ومن الله سبحانه العون.
المسألة الثانية ـ قال أصحاب الشافعى : هذا يدلّ على أنّ المأموم يقرؤها ، وإن لم يقرأها فليس له حظّ في الصلاة لظاهر هذا الحديث.
ولعلمائنا في ذلك ثلاثة أقوال :
الأول ـ يقرؤها إذا أسرّ خاصة ـ قاله ابن القاسم.
الثاني ـ قال ابن وهب وأشهب في كتاب محمد : لا يقرأ.
الثالث ـ قال محمد بن عبد الحكم : يقرؤها خلف الإمام ، فإن لم يفعل أجزأه ، كأنه رأى ذلك مستحبّا.
والمسألة عظيمة الخطر ، وقد أمضينا القول في مسائل الخلاف في دلائلها بما فيه غنية(٢).
والصحيح عندي وجوب قراءتها فيما يسرّ وتحريمها فيما جهر إذا سمع قراءة الإمام ، لما عليه من فرض الإنصات له والاستماع لقراءته ، فإن كان عنه في مقام بعيد فهو بمنزلة صلاة السرّ ؛ لأنّ أمر النبىّ صلى الله عليه وسلم بقراءتها عامّ في كل صلاة وحالة ، وخصّ من ذلك حالة الجهر بوجوب فرض الإنصات ، وبقي العموم في غير ذلك على ظاهره ، وهذه نهاية التحقيق في الباب. والله أعلم.
الآية الرابعة والخامسة ـ قوله تعالى : (٣) (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ. غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) (٤).
فيها سبع مسائل :
المسألة الأولى ـ لا خلاف أنّ الفاتحة سبع آيات ، فإذا عددت فيها (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
__________________
(١) انظر ما سيأتى في الصفحة التالية ، إذ يقول : والصحيح أن قوله : (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) خاتمة آية.
(٢) الغنية : الاستغناء والكفاية.
(٣) الفاتحة : ٦ ، ٧
(٤) يجرى المؤلف على أن يقول : إلى آخر السورة ، أو : إلى آخر الآية ، فآثرنا أن نكمل هذه الآيات ليستقل القارئ بالفهم.