عليهم ولا الضالّين. يقول الله : فهؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل.
فقد تولّى سبحانه قسمة القرآن (١) بينه وبين العبد بهذه الصفة ، فلا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب.
وهذا دليل قوىّ ، مع أنه ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ، وثبت عنه أنه قال : من صلّى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج (٢) ثلاثا ـ غير تمام (٣).
الآية الثانية ـ قوله تعالى : (٤) (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).
اعلموا علّمكم الله المشكلات أنّ البارئ تعالى حمد نفسه ، وافتتح بحمده كتابه ، ولم يأذن في ذلك لأحد من خلقه ، بل نهاهم في محكم كتابه ، فقال : (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) (٥) ، ومنع بعض الناس من أن يسمع مدح بعض له ، أو يركن إليه ، وأمرهم بردّ ذلك ، وقال : احثوا (٦) في وجوه المدّاحين التراب ـ رواه المقداد وغيره.
وكأن في مدح الله لنفسه وحمده لها وجوها منها ثلاث أمهات :
الأول ـ أنه علّمنا كيف نحمده ، وكلّفنا حمده والثناء عليه ؛ إذ لم يكن لنا سبيل إليه إلا به.
الثاني ـ أنه قال بعض الناس معناه : قولوا الحمد لله ، فيكون فائدة ذلك التكليف لنا. وعلى هذا تخرّج قراءة من قرأ بنصب الدال في الشاذ.
الثالث ـ أنّ مدح النفس إنما نهى عنه لما يدخل عليها من العجب بها ، والتكثّر على الخلق من أجلها ، فاقتضى ذلك الاختصاص بمن يلحقه التغيّر ولا يجوز منه التكثر وهو المخلوق ، ووجب ذلك للخالق لأنه أهل الحمد.
وهذا هو الجواب الصحيح والفائدة المقصودة.
الآية الثالثة ـ قوله [٣] تعالى (٧) : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ).
فيها مسألتان :
المسألة الأولى ـ يقول الله تعالى : فهذه الآية بيني وبين عبدى ، وقد روينا
__________________
(١) في ا : القراءة.
(٢) الخداج : النقصان ، يريد ذات خداج ، وصفها بالمصدر مبالغة ، أو على حذف مضاف ؛ أى ذات خداج.
(٣) ثلاثا : أى كرر قوله : فهي خداج ـ ثلاث مرات.
(٤) الفاتحة : ٢
(٥) النجم : ٣٢
(٦) احثوا : ارموا.
(٧) الفاتحة : ٥