فإن قيل : ولو لم تكن قرآنا لكان مدخلها في القرآن كافرا.
قلنا : الاختلاف فيها يمنع من أن تكون آية ، ويمنع من تكفير من يعدّها من القرآن ، فإنّ الكفر لا يكون إلّا بمخالفة النص والإجماع في أبواب العقائد.
فإن قيل : فهل تجب قراءتها في الصلاة؟ قلنا : لا تجب ، فإنّ أنس بن مالك رضى الله عنه روى أنه صلّى خلف رسول الله [٢] صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر ، فلم يكن أحد منهم يقرأ : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ؛ ونحوه عن عبد الله بن مغفّل.
فان قيل : الصحيح من حديث انس ؛ فكانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين. وقد قال الشافعى : معناه انهم كانوا لا يقرؤون شيئا قبل الفاتحة.
قلنا : وهذا يكون تأويلا (١) لا يليق بالشافعي لعظيم فقهه ، وانس وابن مغفل ؛ إنما قالا هذا ردّا على من يرى قراءة : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).
فإن قيل : فقد روى جماعة قراءتها ، وقد تولى الدّارقطنيّ جميع ذلك في جزء صحّحه.
قلنا : لسنا ننكر الرواية ، لكن مذهبنا يترجّح بأنّ أحاديثنا وإن كانت أقلّ فإنها أصحّ وبوجه عظيم وهو المعقول في مسائل كثيرة من الشريعة ، وذلك أنّ مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة انقضت عليه العصور ، ومرّت عليه الأزمنة من لدن زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زمان مالك ، ولم يقرأ أحد [قط] (٢) فيه بسم الله الرحمن الرحيم ، اتّباعا للسنة ؛ بيد أنّ أصحابنا استحبّوا قراءتها في النّفل ، وعليه تحمل الآثار الواردة في قراءتها.
المسألة الثانية ـ ثبت عن النبىّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : قال الله تعالى : قسّمت الصلاة بيني وبين عبدى نصفين ، فنصفها لي ، ونصفها لعبدي ، ولعبدي ما سأل. يقول العبد : الحمد لله رب العالمين ، يقول الله تعالى : حمدنى عبدى. يقول العبد : الرحمن الرحيم. يقول الله تعالى : أثنى علىّ عبدى. يقول العبد : مالك يوم الدّين. يقول تعالى : مجّدنى عبدى (٣). يقول العبد : إياك نعبد وإياك نستعين. يقول الله تعالى : فهذه الآية بيني وبين عبدى ولعبدي ما سأل يقول العبد : اهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب
__________________
(١) في ا : قلنا هذا تأويل.
(٢) ليس في م.
(٣) في ص : فوض إلى عبدى.