فلو كان الانكباب على كتابة حديث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يشغل الناس عن الأخذ بالكتاب ، فكذلك هو التحديث بأحاديث الرسول ـ مع احتمال فرض الانشغال به ـ فكيف يجوزون التحديث ولا يجوزون الكتابة؟!!
الرابعة : إن مرويات المنع عن أبي هريرة تعارض ما رواه ـ هو ـ عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وأنه كان أكثر حديثا منه لأنه كان يكتب ما يسمع (١).
فلو صح رأيه ونقله الأول (٢) لصارت مرويات عبد الله بن عمرو بن العاص كلها ساقطة عن الحجية وباطلة ، لعدم عمله بأمر الرسول بعدم كتابتها ، بل يلزم علينا وعلى أبي هريرة حرق مدونة عبد الله بن عمرو وغيره لكونها منهي عنها ، وبعد هذا فلا معنى لوجود مدونة لعبد الله بن عمرو وغيره.
وإن صح رأيه ونقله الثاني ، فالخبر الأول سيكون باطلا لمشروعية الكتابة عند المسلمين وسيرتهم العملية فيها ، لكتابة عبد الله بن عمرو وغيره عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ومما يؤيد صحة الخبر الثاني ما جاء عن ابن نهيك وإشهاد أبي هريرة على صحة ما نقله من كتابه ، أو ما جاء عن همام بن المنبه من أنه جمع أحاديث أبي هريرة في كتاب وسماه : الصحيفة الصحيحة ، فهذه النصوص تخدش صحة النقل الأول عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وترجح وضعه بأخرة خدمة للحكام وتعليلا لآرائهم وأفعالهم.
* * *
__________________
(١) تقييد العلم : ٨٢ ، جامع بيان العلم ١ / ٧٠ ، مسند أحمد ٢ / ٢٤٨ و ٤٠٣.
(٢) أي المبحوث عنه هنا ، وهو نهي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الكتابة وسماحه بالتحديث.