__________________
هذا التأويل ما قبل الآية من قوله : (يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت) [سورة النساء ٤ : ٤٧] ، ثم عقب بعد ذلك بقوله : (إن الله لا يغفر أن يشرك به) ، التقدير : إن لم تؤمنوا فعلنا بكم كما فعلنا بأصحاب السبت من طمس الوجوه والمسخ.
سلمنا أن المراد السقوط ، لكن يحتمل أن يكون السقوط إشارة إلى بعض أنواع العقاب لا إلى جميع أنواعه.
ونحن نقول بذلك ، فإن عقاب الكافر أزيد من عقاب الفاسق ، فيحتمل أن يكون الساقط ذلك القدر الزائد من العقاب.
لأنا نجيب عن الأول : بوقوع الإجماع على أن المراد بالغفران ها هنا السقوط ، فإن الوعيدية تأولوا ذلك بالتائب ، أو بمن زاد ثوابه على عقابه ، والتفضيلية حملوا ذلك على المصر.
فعلم أنهم اتفقوا على أن المراد بالغفران السقوط.
وعن الثاني : إن المراد سقوط جميع أنواع العقاب ، وإلا لما بقي فرق بين الكافر والفاسق ، فإن الكافر لا يمكن أن يعذب بجميع أنواع العذاب.
وثانيها : قوله تعالى : (وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم) [سورة الرعد ١٣ : ٦] ، و (على) تدل على الحال ، فأثبت المغفرة حالة الظلم ، وذلك هو المطلوب ، ترك العمل به في حق الكافر فيبقى الباقي على الأصل.
وثالثها : قوله تعالى : (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا) [سورة الزمر ٣٩ : ٥٣] ، ترك العمل به في الكافر للإجماع فيبقى الباقي على عمومه.
ورابعها : اتفقت الأمة على وجوب الشفاعة وتأثيرها في إسقاط العقاب على ما يأتي.
وخامسها : اتفقت الأمة على أن الله تعالى يعفو عن العباد ، ونطق القرآن بذلك ، ولا شك أن إسقاط العقاب عن أصحاب الصغائر مطلقا ، وعن أصحاب الكبائر بعد التوبة واجب ، فلا يكون عفوا بإسقاط عقابهما ، فوجب أن يكون بإسقاط العقاب عن صاحب الكبيرة قبل التوبة.