وهذا ما نجده في سورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة ، فهي سور تتحدث عن الجوانب التفصيلية للتشريع الإسلامي وللمفاهيم الواقعية للإسلام .. وقد نلاحظ في بعضها حديثا عن الإيمان بالله ورسله واليوم الآخر ، ولكنه يحمل في طبيعته وأسلوبه طابع الرد على التحديات الفكرية التي كانت تواجه الإسلام في تلك المرحلة ، مما يفرض عليه أن يعالجها بالطريقة الحاسمة التي تعطي القوّة للموقف في حركة الصراع.
* * *
بين أسلوب القرآن وأسلوب الفلسفة
وفي ضوء هذا التمييز بين السور المكية والسور المدنية ، يمكننا الدخول إلى أجواء هذه السورة ، فنلخّص مواضيعها العامة في إطار ما تمثله السور المدنية من مجالات ، بالإضافة إلى موضوع الإيمان بالله والرسالات والرسل واليوم الآخر ، ولكن الأسلوب هنا ، لا يغرق في التحليلات والتأويلات العقلية الفلسفية ، بل هو الأسلوب القرآنيّ الذي يسعى إلى تحقيق ميزة الإيمان ، لتتحرك العقيدة في عقل الإنسان وضميره ، فينفتح لها قلبه ، وتنبض بها مشاعره ، ويتعمق فيها عقله ، وذلك من خلال النظر إلى حركة الكون والإنسان ، باعتبارها محطة للفكر ، ومنطلقا للروح ، فهي التي توحي للإنسان بعظمة الله ، وهي التي تعرّفه مظاهر نعمه في وجوده ، وتعمّق له تجربته من خلال ما تثيره أمامه من أسرار.
وهكذا تتحول الفكرة عنده إلى حقيقة حيّة تنساب في أفكاره ومشاعره وجوانب حياته ، فيتلمّسها في كل شيء يعيش معه ، بحيث لا يشعر بأن الإيمان مختبئ في فكره ومنفصل عن حياته ، بل يشعر بأنه مرتبط بالحياة ، كما أن الحياة منطلقة معه ، ولعل ذلك هو سرّ حيوية الأسلوب القرآني مقارنا