فقال سليمان لرفاعة بن شدّاد : قم فأحسن تعبئة الناس ، ودعا رؤساء أصحابه فجلسوا حوله ، وجاء عبـد الله وإبراهيم ومعهما أشراف أهل الكوفة سوى من شرك في قتل الحسين عليه السلام ، فإنّ عبـد الله قال لكلّ من شرك في قتل الحسين عليه السلام من المعروفين أن لا يخرجوا معهم خوفاً من سليمان وأصحابه.
وكان عمر بن سعد في تلك الأيّام يبيت في قصر الأمارة خوفاً منهم ، فأشار عبـد الله وإبراهيم على سليمان وأصحابه أن يقيموا ولا يستعجلوا ، فإذا علموا أنّ عبيد الله بن زياد سار إليهم تهيّأوا وساروا إليه جميعهم ، وجعلا لسليمان وأصحابه خراج جوخى إن أقاموا ، فلم يقبلوا ، وقالوا : إنّا ليس للدنيا خرجنا.
فقال لهم عبـد الله : أقيموا حتّى نرسل معكم جيشاً كثيفاً ، فلم يقم سليمان وأصحابه ، ونظروا فإذا شيعتهم من أهل البصرة والمدائن لم يوافوهم لميعادهم ، فجعل بعضهم يلومونهم.
فقال سليمان : لا تلوموهم فإنّهم سيلحقونكم قريباً متى بلغهم خبر مسيركم ، وما أراهم تأخّروا إلاّ لقلّة النفقة.
ثمّ خطبهم سليمان ، فقال في خطبته :
إنّ للدنـيا تجّـاراً ، وللآخـرة تجّـاراً ؛ فأمّا تاجـر الآخـرة فساع إليها ، لا يشتري بها ثمناً ، لا يرى إلاّ قائماً وقاعداً وراكعاً وساجداً ، لا يطلب ذهباً ولا فضّـة ، ولا دنيا ولا لذّة ..
وأمّا تاجر الدنيا فمكبّ عليها ، راتع فيها ، لا يبتغي بها بدلاً ، فعليكم بطول الصلاة في جوف الليل ، وبذكر الله كثيراً على كلّ حال ، وتقرّبوا إلى الله بكلّ خير قدرتم عليه ، حتّى تلقوا هذا العدوّ المحلّ القاسط فتجاهدوه ،