فإنّكم لن تتوسّـلوا إلى ربّكم بشيء هو أعظم عنده ثواباً من الجهاد والصلاة.
وساروا عشيّة الجمعة لخمس مضين من ربيع الآخر سنة خمس وسـتّين يقدمهم رؤساؤهـم المذكورون ، فباتوا بمكان يقال له : «دير الأعور» وقد تخلّف عنهم ناس كثير ؛ فقال سليمان بن صـرد : ما أحبّ أن لا يتخلّفوا ، ولو خرجوا فيكم ما زادوكم إلاّ خبالاً ، إنّ الله كره انبعاثهم فثبّطهم (١) وخصّكم بالفضل دونهم.
ثمّ سار فنزل على أقساس بني مالك (٢) على شاطئ الفرات ، ثمّ أصبحوا عند قبر الحسين عليه السلام ، فلمّا وصلوا صاحوا صيحة واحدة ، وضجّوا بالبكاء والعويل ، فلم ير يوم أكثر باكياً من ذلك اليوم ، وترحّموا على الحسين عليه السلام ، وتابوا عند قبره ، وأقاموا عنده يوماً وليلة يبكون ويتضرّعون ويستغفرون ويترحّمون على الحسين عليه السلام وأصحابه ..
وكان من قولهم عند ضريحه :
اللّهمّ ارحم حسيناً ، الشهيد ابن الشهيد ، المهديّ ابن المهديّ ، الصدّيق ابن الصدّيق.
اللّهمّ إنّا نشهدك أنّا على دينهم وسبيلهم ، وأعداء قاتليهم ، وأولياء محبّيهم.
اللّـهّم إنّا خذلنـا ابن بنت نبيّـنا صلى الله عليه وآله وسلم ، فاغـفر لنا ما مضـى منّا ، وتُبْ علينا ، وارحم حسيناً وأصحابه الشهداء الصدّيقين ، وإنّا نشهدك أنّا
____________
(١) اقتباس من الآيتين : ٤٦ و ٤٧ من سـورة التوبة.
(٢) أقساس بني مالك : قرية بالكوفة وكورة يقال لها : أقساس مالك ، منسوبة إلى مالك بن عبـد هند بن لجُمَ. مراصـد الاطّلاع ١ / ١٠٤.