على دينـهم ، وعلى ما قُتلوا عليه ، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين ، وزادهم النظر إلى القبر الشريف حنقاً ..
ثمّ ودّعوا القبر الشريف وازدحموا عليه عند الوداع أكثر من الازدحام على الحجر الأسود ، وكان الرجل يعود إلى ضريحه كالمودّع له ، حتّى بقي سليمان في نحو ثلاثين من أصحابه آخر الناس ، فأحاطوا بالقبر ، وقال سليمان : الحمد لله الذي لو شاء أكرمنا بالشهادة مع الحسين عليه السلام ، اللّهمّ إذ حرمتناها معه فلا تحرمناها فيه بعده.
وتكلّم الرؤساء من أصحاب سليمان فأحسنوا .. وقام في تلك الحال وهب بن زمعة الجعفي باكياً على القبر الشريف ، وأنشد أبيات عبيـد الله بن الحرّ الجعفي (١) :
تَبيتُ النَشـاوى مِنْ أُمَيَّةَ نُوَّماً |
|
وبالطَفِّ قَتْلى ما يَنامُ حَميمُها |
وما ضَيَّعَ الإسلامَ إلاّ قَبيلَةٌ |
|
تَأمَّرَ نَوْكاها (٢) ودامَ نَعيمُها |
وأضْحَتْ قَناةَ الدينِ في كَفِّ ظالِمٍ |
|
إذا اعْوَجَّ مِنْها جانِبٌ لا يُقيمُها |
فَأقْسَمْتُ لا تَنْفَكُّ نَفْسي حَزينَةً |
|
وعَيْنَيَّ تَبْكي لا يَجِفُّ سُجومُها |
حَياتيَ أوْ تَلْقى أُمَيَّةُ خِزْيةً |
|
يَذِلُّ لَها حَتّى المَماتِ قُرومُها |
[الطويل]
وكان مع الناس عبـد الله بن عوف الأحمر على فرس كميت يتأكّل تأكّلاً وهو يقول :
خَرَجْنَ يَلْمَعْنَ بِنا إرْسالا |
|
عَوابِساً يَحْمِلْنَنا أبْطالا |
____________
(١) نسبها السـيّد المرتضى في أماليه إلى أبي دهيل الجمحي عدا البيتين الأخيرين. (منه).
(٢) جمع أنوك : وهو الأحمق. المحيط في اللغة صلى الله عليه وآله وسلم : ٣٣٤ مادّة «نوك».