فتوجّه إبراهيم إلى راشد ، وتوجّه نعيم بن هبيرة إلى شَبث ، وقدّم المختار أمامه يزيد بن أنس في تسعمائة ، فأمّا نعيم فجعل سِعر الحنفي على الخيل ومشى هو في الرجّالة ، وقاتل شَبثاً قتالاً شديداً حتّى أشرقت الشمس وانبسطت ، وضربهم أصحاب نعيم حتّى أدخلوهم البيوت منهزمين ، فناداهم شبث وحرّضهم ، فرجع إليه منهم جماعة فحملوا على أصحاب نعيم وقد تفرّقوا ، فانهزم أصحاب نعيم وصبر هو فقُتل ، وأُسر سِـعر ومعه رجلان ، أحدهما مولىً فقتله شبث ، وأطلق الآخرَين لأنّهما عربيّان ، فأتيا المختار ، فاغتمّ أصحاب المختار لذلك غمّاً شديداً ، وأخبره أحد الرجلين بما كان من أمره ، فقال له : اسكت فليس هذا بمكان الحديث.
وجاء شـبث حتّى أحاط بالمختار ويزيد بن أنس ، وبعث ابن مطيع يزيد بن الحارث بن رويم في ألفين ، فوقفوا في أفواه السكك ، وولّى المختار يزيد بن أنس على الخيل ، وخرج هو في الرجّالة ، فحملت عليهم خيل شـبث حملتـين فلـم يبرحوا مـن مكانـهم ، فقال لهم يزيد بن أنس : يامعشر الشيعة! قد كنتم تُقتلون ، وتقطّع أيديكم وأرجلكم ، وتُسمَل (١) أعينكم ، وترفعون على جذوع النخل في حبّ أهل بيت نبيّكم وأنتم مقيمون في بيوتكم ، مطيعون لعدوّكم ، فما ظنّكم بهؤلاء القوم إن ظهروا عليكم اليوم؟!
إذاً والله لا يَدَعون منكم عيناً تَطرف ، وليقتلنّكم صبراً ، ولترونّ منهم في أولادكم وأزواجكم وأموالكم ما الموت خير منه ، والله لا ينجيكم منهم
____________
(١) يقال : سَمَلت عينه تَسْمُل سَمْلاً ، من باب قَتَلَ ، إذا فتأتها بحديدة محماة. مجمع البحرين ٥ / ٣٩٩ مادّة «سـمل».