إلاّ الصدق والصبر ، والطعن الصائب في أعينهم ، والضرب الدِراك (١) على هامهم ، فتيسّـروا للشـدّة ، وتهيّأوا للحملة ، فإذا حرّكت رايتي مرّتين فاحملوا وتهيّأوا ، واجثوا على الركب ، وانتظروا أمره.
وأمّا إبراهيم بن الأشتر فإنّه أقبل نحو راشد بن إياس ، فإذا معه أربعة آلاف ، فقال إبراهيم لأصحابه : لا يهولنّكم كثرة هؤلاء ، فوالله لربّ رجل خير من عشرة ، ولربّ فئة قليلة قد غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين (٢).
ثمّ قال لخزيمة بن نصر : سـرْ إليهم في الخيل. وأخذ هو يمشي في الرجّالة ، ويقول لصاحب رايته : تقدّم برايتك ، امض بها قدماً قدماً.
واقتتل الناس قتالاً شديداً ، وحمل خزيمة بن نصر العبسي على راشد فطعنه فقتله ، ثمّ نادى : قتلت راشداً وربّ الكعبة ، وانهزم أصحاب راشد.
وأقبل إبراهيم بن الأشتر وخزيمة بن نصر ومن معهما بعد قتل راشد نحو المختار ، وأرسل البشير إلى المختار بقتل راشد ، فكبّر هو وأصحابه ، وقويت نفوسهم ، ودخل أصحاب ابن مطيع الفشل.
وأرسل ابن مطيع حسّاناً العبسي في نحو من ألفين ليعترض إبراهيم ابن الأشتر ، فتقدّم إليهم إبراهيم فانهزموا من غير قتال ، وأقبل إبراهيم نحو المختار وشبث بن ربعي محيط به ، فلمّا رآه يزيد بن الحارث الذي كان على أفواه السكك مقبلاً نحو شبث أقبل نحوه ليردّه عن شبث وأصحابه ، فبعث إبراهيم إليه طائفة من أصحابه مع خزيمة بن نصر ، وسار هو نحو
____________
(١) الدارك ـ خ ل ـ ؛ يقال : يطعنه طَعناً دراكاً متداركاً ، أي تباعاً واحداً إثْرَ واحدٍ. ترتيب كتاب العين ١ / ٥٦٧ مادّة «درك».
(٢) اقتباس من الآية ٢٤٩ من سـورة البقرة.