ثمّ عادوا إلى القتال ، فانهزم أهل الشام هزيمة قبيحة ، وقتلوا قتلاً ذريعاً ، وحوى أهل العراق عسكرهم حتّى انتهوا إلى أميرهم عبـد الله فقتلوه ، وأسـروا منهم ثلاثمائة أسـير ، فأمر يزيد بن أنس بقتلهم وهو في آخـر رمـق ، فقتلوا ، ثمّ مات آخر النهار ، فدفنه أصحابه ، وكسر قلوبهم موتـه.
وكان قد استخلف عليهم ورقاء بن عازب الأسدي ، فقال لأصحابه : ماذا تـرون؟! إنّـه بلغني أنّ ابن زياد قـد أقـبل إليكم في ثمانين ألفاً ، وإنّي لا أرى لنا بأهل الشام طاقة ، فلو انصرفنا من تلقاء أنفسنا لقالوا : إنّما رجعنا عنهم لموت أميرنا ، ولم يزالوا لنا هائبين.
فقالوا : نعم ما رأيت ، فانصرفوا ، فبلغ ذلك المختار وأهل الكوفة ، فأرجف الناس بالمختار ، وقالوا : إنّ يزيد قتل ولم يصدّقوا انّه مات ، فأرسل المختار إلى عامله بالمدائن يسأله عن ذلك ، فأخبره بموته ، وإنّ العسكر انصرف من غير هزيمة ولا كسرة ، فطاب قلب المختار ، فدعا إبراهيم بن الأشتر وأرسله ، وقال : إذا لقيت جيش يزيد بن أنس فأنت الأمير عليهم فارددهم معك حتّى تلقى ابن زياد وأصحابه فتقاتلهم ، ثمّ ودّعه وانصرف ..
فخرج إبراهيم ، فلمّا سار اجتمع أشراف الكوفة عند شبث بن ربعي ، وقالوا : إنّ المختار تأمّر علينا بغير رضاً منّا ، ولقد أدنى موالينا ـ أي عبيدنا ـ فحملهم على الدوابّ ، وأعطاهم فيأنا.
فقال لهم شبث : دعوني حتّى ألقاه ، فذهب إليه فلم يدع شيئاً أنكروه إلاّ ذكره له والمختار يقول : أنا أُرضيهم وأفعل كلّ ما أحبّوا. ولم يكن أصعب عليهم من مشاركة الموالي ـ أي العبيد المعتقين ـ لهم في الفيء.