فرجع ابن الأشتر بقيّة عشيّته تلك ، ثمّ نزل عند المساء فتعشّى أصحابه ، وأراحوا دوابّهم قليلاً ، ثمّ سار ليلته كلّها واليوم الثاني حتّى وصل إلى الكوفة عند العصر ، وبات في المسجد ومعه من أصحابه أهل القوّة والجلد.
ثمّ إنّ المختار عبّأ أصحابه ، وأرسل ابن الأشتر إلى مضـر (١) وخشي أن يرسله إلى أهل اليمن فلا يبالغ في قتالهم لأنّهم قومه ، وسار المختار إلى أهل اليمن ، وقدّم بين يديه أحمر بن شميط وعبـد الله بن كامل ، وأمر كلاًّ بلزوم طريق مخصوص ، وأسرّ إليهما أنّ شِباماً قد أرسلوا إليه يخبرونه أنّهم يأتون القوم من ورائهم ، فمضيا إلى أهل اليمن واقتتلوا أشـدّ قتال رآه الناس ، ثمّ انهزم أصحاب أحمر وأصحاب ابن كامل ، ووصلوا إلى المختار فردّهم ، وأقبل بهم نحو القوم.
ثمّ أرسل عبـد الله بن قَراد الخثعمي في أربعمائة إلى ابن كامل ، وقال له : إن كان قد هلك فأنت مكانه فقاتل القوم ، وإن كان حيّاً فاترك عنده ثلاثمائة وامض في مائة حتّى تأتي جبّانة السَبيع ، فمضى فوجد ابن كامل يقاتلهم في جماعة قد صبروا معه ، فترك عنده ثلاثمائة وسار في مائة.
وبعث المختار مالك بن عمرو النهدي ـ وكان شجاعاً ـ وعبـد الله بن شريك النهدي في أربعمائة إلى أحمر بن شميط ، فوصلوا إليه وقد غلبه القوم ، فاشتدّ قتالهم عند ذلك.
وأمّا ابن الأشتر فإنّه مضى إلى مضـر فلقي شبث بن ربعي ومن معه ، فقال لهم : ويحكم! انصرفوا فما أُحبّ أن يصاب من مُضر على يدي أحد ، فلا تهلكوا أنفسكم ..
____________
(١) كانوا في الكُناسة.