أبي عمرة ، فرأى الكتاب مع العلج وعنوانه : «إلى مصعب من شمر» ، فسألوا العلج عن مكان شمر ، فأخبرهم ، فإذا ليس بينه وبينهم إلاّ ثلاثة فراسـخ ، فأقـبلوا يسـيرون إليـه ، وكان أصحاب شمر قالوا لـه تلك الليلة : لو ارتحلت بنا من هذه القرية ، فإنّا نتخوّف منها.
فقال : كلّ هذا فزعاً من الكذّاب ـ يعني المختار ـ ، والله لا أتحوّل منها ثلاثة أيّام ، ملأ الله قلوبكم رعباً.
فبينما شمر وأصحابه نيام إذ سمع رجل من أصحابه كان بين النائم واليقظان وقع حوافر الخيل ، فقال في نفسه : هذا صوت الدُبى ـ وهو الجراد الصغير ـ ، وكان بذلك المكان دبىً كثير ، ثمّ سمعه أشـدّ من ذلك ، فانتبه ومسح عينيه ، وقال : والله ما هذا بالدبى ، وذهب ليقوم فإذا بالخيل قد أشرفت عليهم من التلّ ، فكبّروا وأحاطوا بالبيوت ، فهرب أصحاب شمر وتركوا خيلهم ، وقام شمر وهو عريان مئتزر بأزار ، وكان أبرص وبرصه يبدو من تحت الأزار ، وأعجلوه عن لبس ثيابه وسلاحه ، فجعل يقاتلهم بالرمح ، ثمّ ألقاه وأخذ السيف ، وجعل يقاتلهم به ، فلمّا بعد عنه أصحابه سـمعوا التكبـير وقائلاً يقـول : قتل الله الخبـيث ، وقتله عبـد الرحمن بن أبي الكنود ، وهو الذي وجـد الكتاب مـع العلج ، ذبحه ذبحاً كما ذبح الحسـين عليه السلام ، وأوطأوا الخيل صدر شمر وظهره ، ثمّ أُلقيت جثّته للكلاب ، وباء في الدنيا قبل الآخرة بالذلّ وسوء العذاب ، وقطعوا رأسه وأرسلوه إلى المختار ، فأرسله المختار إلى محمّـد بن الحنفيّة بالمدينة (١).
وقيل : جاءه من أصحاب المختار خمسون فارساً وأمامهم نبطيّ
____________
(١) تاريخ الطبري ٦ / ٥٢ ـ ٥٣ ، الكامل في التاريخ ٤ / ٢٣٦ ـ ٢٣٧ ، ذوب النضار : ١١٦ ـ ١١٧ ، بحار الأنوار ٤٥ / ٣٧٣ ـ ٣٧٤ ، عوالم العلوم ١٧ / ٦٩٤.